responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الزرقاني على الموطأ المؤلف : الزرقاني، محمد بن عبد الباقي    الجزء : 1  صفحة : 54
وَخُضُوعٍ وَوَقَارٍ، وَيُبَخِّرُ الْمَجْلِسَ بِالْعُودِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى فَرَاغِهِ تَعْظِيمًا لِلْحَدِيثِ، حَتَّى بَلَغَ مِنْ تَعْظِيمِهِ لَهُ أَنَّهُ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ وَهُوَ يُحَدِّثُ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً فَصَارَ يَصْفَرُّ وَيَتَلَوَّى حَتَّى تَمَّ الْمَجْلِسُ وَلَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ انْصَرِفْ حَتَّى أَنْظُرَ، فَقِيلَ لَهُ فَبَكَى وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ لِي مِنَ السَّائِلِ يَوْمٌ وَأَيُّ يَوْمٍ، وَإِذَا أَكْثَرُوا سُؤَالَهُ كَفَّهُمْ وَقَالَ: " حَسْبُكُمْ مَنْ أَكْثَرَ فَقَدْ أَخْطَأَ "، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُجِيبَ عَنْ كُلِّ مَسْأَلَةٍ فَلْيَعْرِضْ نَفْسَهُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُجِيبُ، وَقَدْ أَدْرَكْنَاهُمْ إِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ فَكَأَنَّ الْمَوْتَ أَشْرَفَ عَلَيْهِ، وَسُئِلَ عَنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً فَقَالَ فِي ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي، وَقَالَ: " يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُوَرِّثَ جُلَسَاءَهُ لَا أَدْرِي لِيَكُونَ أَصْلًا فِي أَيْدِيهِمْ يَفْزَعُونَ إِلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا شَكَّ فِي الْحَدِيثِ طَرَحَهُ، وَإِذَا قَالَ أَحَدٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَهُ بِالْحَبْسِ وَقَالَ: يَصِحُّ مَا قَالَ ثُمَّ يَخْرُجُ، وَكَانَ يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ الرَّجُلُ كَمَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيِ الْأُمَرَاءِ، وَكَانَ مُهَابًا جِدًّا إِذَا أَجَابَ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ؟ وَدَخَلَ عَلَى الْمَنْصُورِ الْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ وَهُوَ عَلَى فَرْشِهِ وَصَبِيٌّ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فَقَالَ: تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ هُوَ ابْنِي، وَإِنَّمَا يَفْزَعُ مِنْ هَيْبَتِكَ، وَفِيهِ أَنْشَدَ:
يَأْبَى الْجَوَابَ فَلَا يُرَاجَعُ هَيْبَةً وَالسَّائِلُونَ نَوَاكِسُ الْأَذْقَانِ
أَدَبُ الْوَقَارِ وَعِزُّ سُلْطَانِ التُّقَى فَهُوَ الْمُطَاعُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ وَكَانَ يَقُولُ فِي فُتْيَاهُ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ إِلَّا كُلَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً وَيَقُولُ: وَاللَّهِ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ كَثْرَةِ تَرَدُّدِي لِلْخَلَاءِ، وَيُرْخِي الطَّيْلَسَانَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى لَا يُرَى وَلَا يَرَى. وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: فِي عُمُرٍ يَنْقُصُ وَذُنُوبٍ تَزِيدُ.
وَلَمَّا أَلَّفَ " الْمُوَطَّأَ "، اتَّهَمَ نَفْسَهُ بِالْإِخْلَاصِ فِيهِ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ وَقَالَ: إِنِ ابْتَلَّ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهِ فَلَمْ يَبْتَلَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
ثَنَاءُ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ كَثِيرٌ.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا مَا كَانَ أَشَدَّ انْتِقَادِ مَالِكٍ لِلرِّجَالِ، وَكَانَ لَا يُبَلِّغُ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا كَانَ صَحِيحًا، وَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا عَنْ ثِقَاتِ النَّاسِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ آمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَلَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَحَدًا، وَمَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنْهُ، قَالَ: وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي السُّنَّةِ. وَالْأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ فِي السُّنَّةِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الْحَدِيثِ. وَمَالِكٌ إِمَامٌ فِيهِمَا جَمِيعًا.
سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فَقَالَ: السُّنَّةُ هَاهُنَا ضِدُّ الْبِدْعَةِ، فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَلَا يَكُونُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ.

اسم الکتاب : شرح الزرقاني على الموطأ المؤلف : الزرقاني، محمد بن عبد الباقي    الجزء : 1  صفحة : 54
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست