responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الزرقاني على الموطأ المؤلف : الزرقاني، محمد بن عبد الباقي    الجزء : 1  صفحة : 428
الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّمَا أَطْلَقَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ مَجَازًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَأَنْظَارُهُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَجِهَةُ مَجَازِهِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ يَقْطَعُ ثَوَابَهُ عَمَّنْ قَطَعَ الْعَمَلَ مَلَالًا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَلَالِ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَقْطَعُ عَنْكُمْ فَضْلَهُ حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَهُ فَتَزْهَدَ فِي الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَا يَتَنَاهَى حَقُّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطَّاعَةِ حَتَّى يَتَنَاهَى جُهْدُكُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَتَّى عَلَى بَابِهَا فِي انْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَفْهُومِ، وَجَنَحَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَأْوِيلِهَا فَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ اللَّهُ إِذَا مَلِلْتُمْ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يَبْيَضَّ الْقَارُ وَحَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْبَلِيغِ: لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يَنْقَطِعَ خُصُومُهُ لِأَنَّهُ لَوِ انْقَطَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ مَزِيَّةٌ.
وَهَذَا الْمِثَالُ أَشْبَهُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ شَيْبَ الْغُرَابِ لَيْسَ مُمْكِنًا عَادَةً بِخِلَافِ الْمَلَلِ مِنَ الْعَابِدِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ حَتَّى بِمَعْنَى الْوَاوِ فَالتَّقْدِيرُ لَا يَمَلُّ وَتَمَلُّونَ فَنَفَى عَنْهُ الْمَلَلَ وَأَثْبَتَهُ لَهُمْ، قَالَ: وَقِيلَ حَتَّى بِمَعْنَى حِينَ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ وَأَجْرَى عَلَى الْقَوَاعِدِ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَارُفِ الَّتِي لَا يَتَهَيَّأُ لِلْمُخَاطَبِ أَنْ يَعْرِفَ الْقَصْدَ بِمَا يُخَاطَبُ بِهِ إِلَّا بِهَا وَهَذَا رَأْيُهُ فِي جَمِيعِ الْمُتَشَابِهِ.
(اكْلَفُوا) بِسُكُونِ الْكَافِ وَفَتَحِ اللَّامِ أَيْ خُذُوا وَتَحَمَّلُوا (مِنَ الْعَمَلِ) أَيْ عَمَلِ الْبِرِّ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا (مَا لَكُمْ بِهِ) أَيْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ (طَاقَةٌ) قُوَّةٌ فَمَنْطُوقُهُ الْأَمْرُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا يُطَاقُ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَمَفْهُومُهُ النَّهْيُ عَنْ تَكَلُّفِ مَا لَا يُطَاقُ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ هَذَا خَاصٌّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ: سَبَبُ وُرُودِهِ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَقَدْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَيْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: عَلَيْكُمْ، وَبِقَوْلِهِ هُنَا: اكْلَفُوا، مَعَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ النِّسَاءُ طَلَبًا لِتَعْمِيمِ الْحُكْمِ فَغَلَّبَ الذُّكُورَ عَلَى الْإِنَاثِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَمَلَ الْبِرِّ ; لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبِهِ، وَالصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ وَرَدَ مِنَ الشَّارِعِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَقَالُوا: يُكْرَهُ قِيَامُ جَمِيعِ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَإِنْ كَانَ يَأْتِي وَهُوَ نَاعِسٌ فَلَا يَفْعَلْ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يُدْرِكُهُ كَسَلٌ وَفُتُورٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَكْرَهُهُ إِلَّا لِمَنْ خَشِيَ أَنْ يَضُرَّ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ يَقُولُ لَهُمْ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
261 - 258

اسم الکتاب : شرح الزرقاني على الموطأ المؤلف : الزرقاني، محمد بن عبد الباقي    الجزء : 1  صفحة : 428
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست