responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المنتقى شرح الموطإ المؤلف : الباجي، سليمان بن خلف    الجزء : 1  صفحة : 9
النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ وَإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ وَرَوَى يَحْيَى مُتَلَفِّفَاتٍ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى مُتَلَفِّعَاتٍ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ إلَّا أَنَّ التَّلَفُّعَ يُسْتَعْمَلُ مَعَ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالْمُرُوطُ أَكْسِيَةٌ مُرَبَّعَةٌ سَدَاهَا شَعْرٌ وَقَوْلُهُ «مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: لَا يُعْرَفُ أَرِجَالٌ هُنَّ أَمْ نِسَاءٌ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ إنَّمَا يَظْهَرُ إلَى الرَّائِي أَشْخَاصُهُنَّ خَاصَّةً قَالَ ذَلِكَ الرَّاوِي.
وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ لَا يُعْرَفْنَ مَنْ هُنَّ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي أَنَّهُنَّ سَافِرَاتٌ عَنْ وُجُوهِهِنَّ وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ سَافِرَاتٍ لَمَنَعَ النِّقَابُ.
وَتَغْطِيَةُ الْوَجْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِنَّ لَا الْغَلَسُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبِيحَ لَهُنَّ كَشْفَ وُجُوهِهِنَّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ أَوْ يَكُونَ بَعْدَهُ لَكِنَّهُنَّ أَمِنَّ أَنْ تُدْرَكَ صُوَرُهُنَّ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ فَأُبِيحَ لَهُنَّ كَشْفُ وُجُوهِهِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إبَاحَةُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ اللَّوَاتِي صَلَّيْنَ مَعَهُ الصُّبْحَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُرَادًا بِاللَّفْظِ لَمَا كَانَ ذَكَرَ انْصِرَافَهُنَّ تَبْيِينًا لِلْوَقْتِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ فَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى مُبَادَرَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُزَاحِمْنَ الرِّجَالَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ عِنْدِي ظَاهِرُ اللَّفْظِ اتِّصَالُ خُرُوجِهِنَّ بِانْقِضَاءِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهَا لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ وَالْفَاءُ فِي الْعَطْفِ تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ وَيَصِحُّ أَنْ يُبَادِرْنَ بِالْخُرُوجِ لِمَا ذَكَرَ هَذَا الْمُفَسِّرُ مِنْ أَنْ يَسْلَمْنَ مِنْ مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ أَنْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ اغْتِنَامًا لِسَتْرِ الظَّلَامِ لَهُنَّ وَيَصِحُّ أَنْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ مُبَادَرَةً إلَى مُرَاعَاتِ بُيُوتِهِنَّ وَفِعْلِ مَا يَلْزَمُهُنَّ فِعْلُهُ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُنَّ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِقَوْلِهَا «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ» وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يُثَابَرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَدَاءَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي سَائِرِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُثَابِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا لِلْفَضِيلَةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إلَى أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ فَإِنْ قِيلَ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يَفْعَلُ الْفِعْلَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُثَابِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُفَضِّلُهُ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقْضِي بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يُثَابِرُ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ وَيَرَاهُ أَفْضَلَ مِنْ مَسْحِ جَمِيعِهِ وَلَا عَلَى أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَرَى الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا فِيمَا يَلْزَمُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ كَانَ فُلَانٌ يَلْبَسُ الْخُضْرَةَ إذَا كَانَتْ غَالِبَ لِبَاسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَبِسَ فُلَانٌ الْخُضْرَةَ وَخَضَّبَ زَيْدٌ بِالصُّفْرَةِ وَأَتَى عَمْرٌو الْكُوفَةَ هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَعْرُوفُ فِي خِطَابِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقْضِي بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمَا أَفْضَلَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَكَرُّرَ قَوْلِهِمَا بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِهِ أَفْضَلُ عِنْدَهُمَا مِنْ الْقَوْلِ بِغَيْرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ الْأَفْضَلُ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُكَرِّرُ وَلَا يُثَابِرُ إلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ وَاسْتِدْلَالِي فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا احْتِيَاطٌ لِلشَّرِيعَةِ وَإِبْرَاءٌ لِلذِّمَّةِ لِئَلَّا يَطْرَأَ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ النِّسْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ وَفِي التَّأْخِيرِ تَعْرِيضٌ لِلتَّغْرِيرِ وَتَسَبُّبٌ لِلْفَوَاتِ.

اسم الکتاب : المنتقى شرح الموطإ المؤلف : الباجي، سليمان بن خلف    الجزء : 1  صفحة : 9
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست