اسم الکتاب : التصوير النبوي للقيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 103
فهموه عن تعاليم الإسلام المسيرة، وإنكار ما سيفعلون من التشدد في العبادة، مستدلين بقولهم عنه: لقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أمَّا أنا فإني أصلي الليل أبدًا. وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فأنكر عليهم ذلك، ووضح لهم سماحة الإسلم ويسر شريعته، ومنها: ما توحيه كلمة "أما" من إشارتهم لما ينكره عليهم من الأمر الجلل، وتنبيههم إلى فظاعة قرارهم، وغلظة ما فرضوه على أنفسهم مما لا يطيقون "فالدين يسر لا عسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا"، وغيرها من القيم السامية، التي أوحى بها حرف التنبيه والاستفهام، في نسق أسلوبي ونظم بلاغي، وأكد هذه القيم بلفظ الجلالة، وما أعظمه؟! "إني وبلام الابتداء"، ومنها: أسلوب الحذف، وما يدل عليه من بلاغة الإيجاز، وهو أبلغ في النفس، فهو يحتاج إلى تأمل وطول نظر، فيكون أكثر إمتاعًا وأعظم تأثيرًا في قوله: "لكني أصوم وأفطر ... إلخ "، والتقدير يدل عليه السياق والنسق البلاغي، وهو: أنا وإن تميزت عنكم بذلك، لكني أنا وأنتم بالنسبة للعبودية سواء، فأنا أصوم وأفطر.. إلخ، ومنها إضافة السنة في "سنتي" ونفيها عنه "فليس مني"، إضافة إلى ضميره، للدلالة على طريقته في التشريع، والإعراض عن العمل بها، فالمراد ما جاء به عن ربه عز وجل من تشريع، يشتمل على الطاعة في أمر الله ونهيه.
التصوير الفني في بلاغة الأسلوب البياني، المستمد من الصور الخيالية كانت مؤثرة وممتعة، منها: الكناية البليغة في قوله: "أنتم قلتم كذا وكذا" فليس المراد ما يفيده اسم الإشارة، على ما سبق بيانه من العزائم الثلاث، لكن المراد إنكار هذه الأفعال الثلاثة والتجاوزات فيها؛ حتى كره الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يذكرها، حتى لا يقررها، وإنما أهملها تمامًا، واكتفى
اسم الکتاب : التصوير النبوي للقيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 103