responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزهد المؤلف : ابن أبي الدنيا    الجزء : 1  صفحة : 207
486 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: §خَيْرُ الدُّنْيَا لَكُمْ مَا لَمْ تُبْتَلَوْا بِهِ مِنْهَا، فَإِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهَا فَخَيْرُهَا لَكُمْ مَا خَرَجَ عَنْ أَيْدِيكُمْ مِنْهَا

487 - حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِي، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّكُمْ §أَصْبَحْتُمْ فِي دَارٍ مَذْمُومَةٍ لِأَهْلِهَا، خُلِقَتْ فِتْنَةً، وَضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ، إِذَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ تَنْفَذُ، فَهِيَ دَارُ قُلْعَةٍ، وَمُنْزِلُ بُلْغَةٍ، أَخْرَجَ نَبَاتَهَا، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الَّذِي هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ، وَأَمَرَ فِيهِ عِبَادَهُ -[208]- فِيمَا أَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِطَاعَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ سَبِيلَهَا، وَوَعَدَهُمُ الْخَيْرَ عَلَيْهِ، فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ مُعْجِزٌ لَهُ، وَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْءٌ يَخْفَى عَلَيْهِ، فَهُمْ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا مُخْتَلِفَةً، سَعْيُهُمْ فِيهَا شَتَّى بَيْنَ عَاصٍ وَمُطِيعٍ، وَلِكُلٍ جَزَاءٌ مِنَ اللَّهِ بِمَا عَمِلَ، وَنُصِيبٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ، وَلَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِهِ رَغَّبَ فِي الدُّنْيَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا رَضِيَ لَهُمْ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا، وَلَا الرُّكُونِ إِلَيْهَا، بَلْ صَرَّفَ اللَّهُ فِيهَا الْآيَاتِ، وَضَرَبَ لَهَا الْأَمْثَالَ فِي الْعَيْبِ لَهَا، وَالنَّهْيِ عَنْهَا، وَالرَّغْبَةِ فِي غَيْرَهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ لِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا عَظِيمُ الشَّأْنِ، هَائِلُ الْمَطْلَعِ، عَسِيرٌ وَاللَّهِ بِمَا هُمْ فِيهِ، لَا يُشْبِهُ ثَوَابَهُمْ وَلَا عِقَابَهُمْ، وَلَكِنَّهَا دَارُ الْخُلُودِ، يَدِينُ اللَّهُ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ، ثُمَّ لَا يَتَغَيَّرُ بُؤْسٌ عَنْ أَهْلِهِ وَلَا نُعَيْمٌ، وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، مَنْ صَحِبَهَا بِالْبُغْضِ لَهَا وَالزَّهَادَةِ فِيهَا، وَالْهَضْمِ لَهَا سَعِدَ بِهَا، وَنَفَعَتْهُ صُحْبَتُهَا، وَمَنْ صَحِبَهَا بِالرَّغْبَةِ فِيهَا وَالْمَحَبَّةِ لَهَا شَقِيَ بِهَا، وَأَجْحَفَتْ لِحَظِّهِ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ أَسْلَمَتْهُ إِلَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ، فَأَمْرُهَا صَغِيرٌ، وَمَتَاعُهَا قَلِيلٌ، وَالْفَنَاءُ عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ، وَاللَّهُ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا، وَأَهْلُهَا مُتَحَوِّلُونَ عَنْهَا إِلَى مَنَازِلَ لَا تَبْلَى، وَلَا يُغَيِّرُهَا طُولُ الْعُمْرِ فِيهَا بِفِنَاءٍ فَيَمُوتُونَ، وَلَا وَإِنْ طَالَ الثَّوَاءُ فِيهَا يَخْرُجُونَ، فَاحْذَرُوا ذَلِكَ الْمَوْطِنَ، وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمُنْقَلَبِ، وَلِذَلِكَ فَاعْدُدْ، وَمِنْ شَرِّهِ فَاهْرُبْ، وَلَا يَلْهِيَنَّكَ الْمَتَاعُ الْقَلِيلُ الْفَانِي، وَاقْطَعِ - ابْنَ آدَمَ - مِنَ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّكَ، وَبَادِرْ أَجَلَكَ، وَلَا تَقُلْ غَدًا غَدًا، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ، وَلَا تَكُنْ - يَا ابْنَ آدَمَ - مُغْتَرًّا، وَلَا تَأْمَنْ مَا لَمْ يَأْتِكَ الْأَمَانُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْهَوْلَ الْأَعْظَمَ وَمُفْظِعَاتِ الْأُمُورِ أَمَامَكَ لَمْ تَخْلُصْ مِنْهُنَّ حَتَّى الْآنَ، وَلَا بُدَّ مِنْ -[209]- ذَلِكَ الْمَسْلَكِ، وَحُضُورِ تِلْكَ الْأُمُورِ كُلِّهَا، فَإِمَّا بِعَافِيَةٍ مِنْ شَرِّهَا، وَنَجَاةٍ مِنْ هَوْلِهَا، وَإِمَّا بِهَلَكَةٍ، فَلَيْسَ بَعْدَهَا خَيْرٌ وَلَا انْتِعَاشٌ

اسم الکتاب : الزهد المؤلف : ابن أبي الدنيا    الجزء : 1  صفحة : 207
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست