responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزهد المؤلف : ابن أبي الدنيا    الجزء : 1  صفحة : 132
272 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَتَبَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُجَاوِرًا بِمَكَّةَ تَسْأَلُهُ الْقُدُومَ عَلَيْهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهَا بِكِتَابٍ فِيهِ: " إِنَّ مَرْوَ الَّتِي يُعْجِبُكِ مُلَاقَاتِي إِيَّاكِ فِيهَا لَيْسَتْ بِدَارِ دَوَامٍ، وَلَكِنَّ مَرْوَ مَنْزِلُ أَسْفَارٍ وَأَبْنَاءِ سَبِيلٍ، §الْمَقَامُ فِيهَا بِبِرِّ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ يَسِيرٌ حَتَّى يَصِيرُوا مِنْهَا إِلَى دَارَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فُرْقَةٌ لَا تَوَاصُلَ فِيهَا، وَالْأُخْرَى صِلَةٌ لَا تَفَرُّقَ فِيهَا، فَإِنْ كُنْتِ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ فَأَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ نَزَلُوهَا؟ وَأَيْنَ الْجُمُوعُ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا؟ وَأَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ تَشَاحَّتْ عَلَيْهَا؟ وَأَيْنَ الْبَنَّاؤُونَ الَّذِينَ ضَرَبُوا اللَّبِنَ فِي تَحْصِينِهَا؟ إِنْ تَدْعِيهِمْ لَا يَسْمَعُوا، بُدِّلُوا بِالْحَيَاةِ مَوْتًا، كَأَنْ لَمْ يَعْمُرُوهَا، وَلَمْ يَسْكُنُوهَا، فَهَلْ يَنْفَعُ مَعَ هَذَا الْهَمِّ حَبِيبٌ حَبِيبًا، وَخَلِيلٌ خَلِيلًا؟ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ لِأَحَدٍ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا أَهْلُ الدُّنْيَا فَمُتَحَوِّلُونَ مِنْهَا عَنْ قَرِيبٍ، وَالسَّلَامُ

273 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمُزَنِيُّ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: مَرَّ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَرْيَةٍ فَإِذَا أَهْلُهَا مَوْتَى فِي الْأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ، فَقَالَ لَهُمْ: -[133]- «يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مَاتُوا عَنْ سَخْطَةٍ، وَلَوْ مَاتُوا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ لَتَدَافَنُوا» ، قَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ وَدِدْنَا أَنَّا عَلِمْنَا خَبَرَهُمْ. فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: «إِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَنَادِهِمْ يُجِيبُوكَ» ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَشْرَفَ عَلَى نَشْزٍ ثُمَّ نَادَى: «يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ» فَأَجَابَهُ مُجِيبٌ: لَبَّيْكَ يَا رُوحَ اللَّهِ، فَقَالَ: «مَا حَالُكُمْ؟ وَمَا قِصَّتُكُمْ؟» قَالُوا: أَمْسَيْنَا فِي عَافِيَةٍ، وَأَصْبَحْنَا فِي الْهَاوِيَةِ. قَالَ: «وَكَيْفَ ذَلِكَ» قَالَ: لِحُبِّنَا الدُّنْيَا، وَطَاعَتِنَا أَهْلَ الْمَعَاصِي. قَالَ: «وَكَيْفَ كَانَ §حُبُّكُمْ لِلدُّنْيَا؟» قَالَ: حُبُّ الصَّبِيِّ لِأُمِّهِ، إِذَا أَقْبَلَتْ فَرِحْنَا، وَإِذَا أَدْبَرَتْ حَزِنًا وَبَكَيْنَا. قَالَ: «فَمَا بَالُ أَصْحَابِكَ لَمْ يُجِيبُونِي؟» قَالَ: لِأَنَّهُمْ مُلْجَمُونَ بِلُجُمٍ مِنْ نَارٍ، بِأَيْدِي مَلَائِكَةٍ غِلَاظٍ شِدَادٍ. قَالَ: «فَكَيْفَ أَجَبْتَنِي أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ؟» قَالَ: لِأَنِّي كُنْتُ فِيهِمْ وَلَمْ أَكُنْ مِنْهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ الْعَذَابُ أَصَابَنِي مَعَهُمْ، فَأَنَا مُعَلَّقٌ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، لَا أَدْرِي أَنْجُو مِنْهَا أَمْ أُكَبْكَبُ فِيهَا؟، فَقَالَ الْمَسِيحُ لِلْحَوَارِيِّينَ: «لَأَكْلُ خُبْزِ الشَّعِيرِ بِالْمِلْحِ الْجَرِيشِ، وَلُبْسُ الْمُسُوحِ، وَالنَّوْمُ عَلَى الْمَزَابِلِ كَثِيرٌ مَعَ عَافِيَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» أَنْشَدَنِي صَاحِبٌ لَنَا:
[البحر الكامل]
مَنَعَ الْهَوَى مِنْ كَاعِبٍ وَمُدَامِ ... نُورُ الْمَشِيبِ وَوَاعِظُ الْإِسْلَامِ
وَلَقَدْ أُرَانِي وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... لَا تَسْتَفِيقُ جَهَالَتِي وَغَرَامِي
فَالْيَوْمَ أَقْصَرَ بَاطِلِي وَأَرَحْتُ مِنْ ... سَعْيِ الْوُشَاةِ وَأَلْسُنِ اللُّوَّامِ -[134]-
وَعَرَفْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ شَارِبٌ ... عُجِّلْتُ أَوْ أُخِّرْتُ كَأْسَ حِمَامِي
أَيْنَ الْمُلُوكُ النَّاعِمُونَ وَأَيْنَ مَنْ ... مَثَلَ الرِّجَالُ لَهُ عَلَى الْأَقْدَامِ
أَيْنَ الْأُلَى اقْتَادُوا الْجِيَادَ عَلَى الْوَحَا ... لُحُقَ الْبُطْونِ كَأَنَّهُمْ دُوَّامِي
مَنْشُورَةٌ خِرَقُ الدِّرَفْسِ تَظُلُّهُمْ ... فِي كُلِّ مُشْتَجِرِ الْوَشِيجِ لُهَامِ
وَتَمِيلُ فِي يَوْمِ الْمَقَامِ عَلَيْهِمُ ... كَأْسُ الْمُدَامِ مَنَاصِفُ الْخُدَّامِ
فَأُدِيلَتِ الْأَيَّامُ مِنْ سَرَوَاتِهِمْ ... مَنْ ذَا يَقُومُ لِدَوْلَةِ الْأَيَّامِ
دُوَلٌ تُوَلِّجُ فِي الْوُكُورِ سِهَامَهَا ... وَعَلَى ابْنِ مَاءِ اللُّجَّةِ الْعَوَّامِ
وَلَرُبَّ سُبْرُوتٍ أَفَادَتْهُ غِنًى ... وَأَخِي غِنًى صَبَّحْنَ بِالْإِعْدَامِ
فَعَزَاءُ ذِي لُبٍّ عَنِ الدَّارِ الَّتِي ... لَيْسَتْ لِذِي لُبٍّ بِدَارِ مَقَامِ

اسم الکتاب : الزهد المؤلف : ابن أبي الدنيا    الجزء : 1  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست