عَبْد الرَّحْمَن بْن إبراهيم بْن سباع بْن ضياء الفزاري الشافعي أَبُو إبراهيم ويكنى أَيْضًا أَبَا مُحَمَّد
أحد الأئمة الأعلام، وفقهاء الإسلام، كَانَ غزير العلم، حسن الفقه، ثاقب الذهن، سريع الحفظ، لم يكن فِي وقته مثله، انتهت إليه رئاسة الفتوى والإشغال بمذهبه، وانتفع الناس بِهِ، وأكثر فقهاء عصره وشيوخه ممن قرأ عليه، وكانت لَهُ حلقة كبيرة لا تخلو فِي أكثر الوقت عَن أربعين طالبا فما زاد، ولم تكن إذ ذاك حلقة قريبة من هَذِهِ، وَكَانَ الناس يشتغلون عليه فيها أنواعا من العلم، وأكثر شيء يقرأ من الفقه، وَكَانَ لا يخلو وقته فِي النهار وبعض الليل عَن الفتوى والأشغال والتعليم، وَكَانَ يسرع فِي تخريج الطالب وتنبيهه، وشرح التنبيه شرحا جليلا عظيم الفوائد لكنه لم يتم، وكتب شيئا عَلَى التعجيز، وَكَانَ لو تم مفيدا إفادة كثيرة، وله عَلَى فرائض الوسيط كلام جيد، وتعاليق عَلَى الوسيط وعلى فرائض التعجيز، وله أجزاء كثيرة فِي أنواع شتى، وشرح الورقات فِي أصول الفقه شرحا حسنا كبيرا، وكانت لَهُ اليد الطولى فِي المناظرة لقوة ذهنه، وحسن عبادته، وجودة تفقهه، قل أن بحث مع أحد إِلا وظهر عليه، وَكَانَ حسن الخلق لطيفا لا تمل مجالسته، قريبا إِلَى كل أحد، متوضعا سمحا، يطعم الطعام، ويتصدق كثيرا، ولا يبقي شيئا مع قلة ذات يده، ولا يزال عنده جماعة من فقراء الطلبة يقيم بهم ولا يحوجهم إِلَى غيره، وَكَانَ كثير الذكر وصدقة السر، وَدَرَّسَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَتِّ مِائَةٍ، وكتب فِي الفتوى فِي سنة أربع وَخَمْسِينَ وست مائة، ودرس بالمدرسة البادرائية إِلَى حين موته، وَكَانَ تفقه عَلَى الإمامين أَبِي عَمْرو بْن الصلاح، وأبي مُحَمَّد بْن عَبْد السلام، وغيرهما، وسمع الحديث من ابْن الزبيدي، وابن اللتي، وأبي الْحَسَن بْن باسويه المقرئ، ومكرم بْن أَبِي الصقر، وجماعة كثيرة فوق المائة، مولده فِي شهر ربيع الأول سنة أربع وَعِشْرِينَ وست مائة بدمشق، وَتُوُفِّيَ فِي ضحى الاثْنَيْنِ خامس جمادى الآخرة سنة تسعين وست مائة، ودفن بمقبرة باب الصغير، وكنت كتبت عَلَى مجلد من شرحه للتنبيه هَذِهِ الأبيات:
إذا وصف التصنيف فِي الفقه واصف ... فلا يعدو الإقليد طالب حاجة
حوى شامل الحاوي فأضحى وجيزه ... بسيط المعاني غاية فِي الإبانة
بتحرير تهذيب ولفظ مهذب ... وإيضاح تبيين ونظم نهاية
وتقريب تلخيص وحسن تتمة ... وتجريد مبسوط بأولى إشارة
وكم حاصل قد حاز محصول نظمه ... وإحكام إحكام وأسرار آية
وآثار أخبار وأخبار سنة ... وأبحاث أعلام ونقل مقالة
فلا زلت تاج الدين للعلم ناشرا ... تصنف ملحوظا بعين عناية
تغمده اللَّه برحمته ورضوانه.