responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مجموع فيه مصنفات ابن البختري المؤلف : ابن البختري    الجزء : 1  صفحة : 378
553 - (57) قَالَ عَاصِمٌ: قَالَ أَبِي: حَاصَرْنَا تَوَّجَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ وَعَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: فَلَّمَا افْتَتَحْنَاهَا - قَالَ: وَعَلَيَّ قَمِيصٌ خَلِقٌ - انْطَلَقْتُ إِلَى قَتِيلٍ مِنَ الْقَتْلَى الذين -[379]- قَتَلْنَا مِنَ الْعَجَمِ، فَأَخَذْتُ قَمِيصَ بَعْضِ أُولَئِكَ الْقَتْلَى وَعَلَيْهِ الدِّمَاءُ، فَغَسَلْتُهُ بَيْنَ أَحْجَارٍ وَدَلَكْتُهُ حَتَّى أَنْقَيْتُهُ، وَلَبِسْتُهُ وَدَخَلْتُ الْقَرْيَةَ فَأَخَذْتُ إِبْرَةً وَخُيُوطًا فَخِطْتُ قَمِيصِي، فَقَامَ مُجَاشِعٌ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَغُلُّوا شَيْئًا، مَنْ غَلَّ شَيْئًا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْ كَانَ مِخْيَطًا، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى ذَلِكَ الْقَمِيصِ فَنَزَعْتُهُ، وَانْطَلَقْتُ إِلَى قَمِيصِي فَجَعَلْتُ أَفْتِقُهُ حَتَّى إِنِّي وَاللَّهِ جَعَلْتُ أَخْرِقُ قَمِيصِي تَوِقِّيًا عَلَى الْخَيْطِ أَنْ يَنْقَطِعَ، فَانْطَلَقْتُ بِالإِبْرَةِ وَالْخُيُوطِ وَالْقَمِيصِ الَّذِي كُنْتُ أَخَذْتُهُ مِنَ الْمَقَاسِمِ فَأَلْقَيْتُهُ فِيهَا، وَمَا ذَهَبَتِ الدُّنْيَا حَتَّى رَأَيْتُهُمْ يَغُلُّونَ الأَوْسَاقَ، قَالَ: قُلْتُ: (أوفيء؟) هَذَا؟ قَالَ: نَصِيبُنَا مِنَ الْفَيْءِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. قَالَ عَاصِمٌ: وَرَأَى أَبِي فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا وَهُمْ مُحَاصِرُونَ تَوَّجَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ، وَكَانَ أَبِي إِذَا رَأَى رُؤْيَا فَكَأَنَّمَا نَنْظُرَ إِلَيْهَا نَهَارًا - وَكَانَ أَبِي قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَرَأَى رَجُلا كأَنَّهُ مَرِيضٌ، وَكَأَنَّ قَوْمًا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَيْدِيهِمْ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، وَكَأَنَّ امْرَأَةً عَلَيْهَا ثِيَابٌ حَمْرَةٌ جَالِسَةٌ عِنْدَ رَأْسِ الْمَرِيضِ، وَكأَنَّهَا لَوْ تَشَاءُ أَصْلَحَتْ بَيْنَهُمْ، إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَلَبَ بِطَانَةً مِنْ جُبَّةٍ مِنْ بُرُودٍ ثُمَّ قَالَ: مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَيَخْلَقُ الإِسْلامُ فِيكُمْ! سربال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكُمْ لَمْ يَخْلُقْ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ مِنَ النَّاسِ فَأَخَذَ بِإِحْدَى لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَنَفَضَهُ حَتَّى اضْطَرَبَ وَرَقُهُ، فَأَصْبَحَ / أَبِي يَعْرِضُهَا لا يَجِدُ مَنْ يُعَبِّرُهَا، قال أبي: كأَنَّهُمْ هَابُوا تَعْبِيرَهَا.
قَالَ عَاصِمٌ: قَالَ أَبِي: فَلَّمَا قَدِمْنَا الْبَصْرَةَ إِذَا النَّاسُ قَدْ عَسْكَرُوا، -[380]- فَقُلْتُ: مَا شأْنُهُمْ؟ قَالَ: بَلَغَهُمْ أَنَّ قَوْمًا سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ، فَعَسْكَرُوا لِيُدْرِكُوهُ فَيَنْصُرُوهُ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: إِنَّ الأَمِيرَ صَالِحٌ، قَدِ انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ، قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ، فَلَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلا قَتْلُهُ، قَالَ أَبِي: فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَكْثَرَ بَاكِيًا مُنْتَحِبًا تَخَلَّلَ الدُّمُوعُ لِحْيَتَهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَمَا لَبِثْتُ إِلا قَلِيلا حَتَّى إِذَا فُلانٌ وَفُلانٌ قَدْ قَدِمَا الْبَصْرَةَ، فَمَا لَبِثْتُ إِلا يَسِيرًا حَتَّى إِذَا عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ قَدِمَ، فَنَزَلَ بِذِي قَارٍ، فَقَالَ لِي شَيْخَانِ مِنَ الْحَيِّ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَنَنْظُرَ مَا يَقُولُ وَإِيشِ الَّذِي جَاءَ بِهِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ وَتَبَيَّنَّا فَسَاطِيطَهُمْ إِذَا شَابٌّ خَارِجٌ مِنَ الْعَسْكَرِ - قَالَ الْعَلاءُ: رَأَيْتُ أَنَّهُ قَالَ: عَلَى بَغْلٍ - فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ شَبَّهْتُهُ الْمَرْأَةَ - أُرَاهُ قال: التي رأيتها عِنْدَ رَأْسِ الْمَرِيضِ فِي النَّوْمِ - فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: لَئِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَخٌ إِنَّ هَذَا لأَخُوهَا، فَقَالَ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعِي: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا، وَغَمَزَنِي بِمِرْفَقِهِ، فَقَالَ الشَّابُّ: أَيُّ شَيْءٍ قُلْتَ؟ قَالَ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ: لَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَانْصَرَفَ، قَالَ: لِتُخْبِرْنِي مَا قُلْتَ، قَالَ: فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، فَارْتَاعَ لَهَا، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ لَقَدْ رَأَيْتُ حَتَّى انْقَطَعَ عَنْهُ صَوْتُهُ، فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ لَقِيتُ: مِنَ الشَّابِّ الَّذِي رَأَيْتُ آنِفًا؟ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْعَسْكَرَ قَدِمْتُ عَلَى أَدْهَى الْعَرَبِ - يَعْنِي: عَلِيًّا - قَالَ: وَاللَّهِ لَيَدْخُلُ عَلِيٌّ فِي نَسَبِ قَوْمِي حَتَّى جَعَلْتُ أَقُولُ: وَاللَّهِ، لَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنِّي، حَتَّى قَالَ: أَمَا إِنَّ بَنِي رَاسِبٍ بِالْبَصْرَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي قُدَامَةَ؟ / قَالَ: قُلْتُ: أَجَلْ، قَالَ: سَيِّدُ قَوْمِكَ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، وَإِنِّي فِيهِمْ لَمُطَاعٌ، وَلَغَيْرِي أَسْوَدُ مِنِّي وَأَطْوَعُ فِيهِمْ مِنِّي، قَالَ: مَنْ سَيِّدُ بَنِي رَاسِبٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: فُلانٌ، قَالَ: فَسَيِّدُ بَنِي قُدَامَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ: فُلانٌ لآخَرَ، قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبْلِغُهُمْ عَنِّي كِتَابَيْنِ مِنِّي؟ قُلْتُ: -[381]- نَعَمْ، قَالَ: أَلا تُبَايِعُونِ، قَالَ: فَبَايَعَ اللَّذَانِ مَعِي، قَالَ: وَأَضَبَّ قَوْمٌ كَانُوا عِنْدَهُ - وَقَالَ أبي بيده، فقبضها وحركها وقلبها - كأن فيهم خِفَّةً، قَالَ: فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: بَايِعْ، قَالَ: وَقَدْ أَكَلَ السُّجُودُ وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ لَهُمْ: دَعُوا الرَّجُلَ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا بَعَثَنِي قَوْمِي رَائِدًا وَسَأُنْهِي إِلَيْهِمْ مَا رَأَيْتُ، فَإِنْ بَايَعُوا بَايَعْتُ، وَإِنِ اعْتَزَلُوا اعْتَزَلْتُ، قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ: أَرَأَيْتَ يَا كُلَيْبُ لَوْ بَعَثَكَ قَوْمُكَ رَائِدًا فَرَأَيْتَ رَوْضَةً وَغَدِيرًا، فَقُلْتَ: يَا قَوْمِ، النَّجْعَةَ النَّجْعَةَ، فَأَبَوْا، أَمَا كُنْتَ تَنْتَجِعُ بِنَفْسِكَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَبَايِعْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِإِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِهِ ثُمَّ قُلْتُ: نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ نُطِيعَكَ مَا أَطَعْتَ اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتَهُ فَلا طَاعَةَ لَكَ عَلَيْنَا، قَالَ: نَعَمْ، وَطَوَّلَ بِهَا صَوْتَهُ، فَضَرَبْتُهَ عَلَى يَدِهِ. ثُمَّ الْتَفَتُّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ، فَقَالَ: أَمَا انْطَلَقْتَ إِلَى قَوْمِكَ بِالْبَصْرَةِ فَأَبْلَغْتَهُمْ كُتُبِي وَقَوْلِي؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: إِنَّ قَوْمِي يَقُولُونَ إِذَا أَتَيْتُهُمْ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكَ فِي عُثْمَانَ؟ قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ قَوْلِي فِي عُثْمَانَ أَحْسَنُ الْقَوْلِ وَأَجْمَلُهُ، إِنَّ عُثْمَانَ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا.
قَالَ أَبِي: فَلَمْ أَبْرَحْ مِنَ الْعَسْكَرِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا جَعَلُوا يَلْقَوْنِي وَيَقُولُونَ: تَرَى إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَاتِلُونَا! قَالَ: وَيَضْحَكُونَ وَيَعْجَبُونَ وَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ، لَوْ قَدِ الْتَقَيْنَا ثُمَّ قَدْ تَعَاطَيْنَا الْحَقَّ، قَالَ: وَكأَنَّهُمْ يَرَوْنَ / أَنَّهُمْ لا يَقْتَتِلُونَ، قَالَ: وَخَرَجْتُ بِكِتَابَيْ عَلِيٍّ فَآتِي بِهِ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ الَّذَيْنِ كَتَبَ إِلَيْهِمْ، فَقَبِلَ الْكِتَابَ وَأَجَابَهُ، وَدَلَّلْتُ عَلَى الآخَرِ -[382]- فَتَوَارَى، فَلَوْلا أَنَّهُمْ قَالُوا: كُلَيْبٌ، مَا أَذِنَ لِي، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَقُلْتُ: هَذَا كِتَابُ عَلِيٍّ، وَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ سَيِّدُ قَوْمِكَ، قَالَ: لا حَاجَةَ لِي بِالسُّؤْدُدِ، إِنَّمَا سَادَاتُكُمْ شَبِيهُ مَاءِ الأَوْسَاخِ - أَوْ قَالَ كَلِمَةً شبهه - وَلا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، وَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ، إِنِّي لَبِالْبَصْرَةِ مَا رَجَعْتُ إِلَى عَلِيٍّ إِذَا الْعَسْكَرَانِ قَدْ تَدَانَيَا وَاسْتَبَّ عَبْدَاهُمْ، فَرَكِبَ الْقُرَّاءُ الَّذِينَ مَعَ عَلِيٍّ حَتَّى اطَّعَنَ الْقَوْمُ وَمَا وَصَلْتُ إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ قِتَالِهِمْ دَخَلْتُ عَلَى الأَشْتَرِ، فَإِذَا بِهِ جِرَاحٌ، قَالَ عَاصِمٌ: وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلَ النِّسَاءِ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ إِلَيَّ وَالْبَيْتُ مَمْلُوءٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ: يَا كُلَيْبُ، إِنَّكَ أَعْلَمُ بِالْبَصْرَةِ مِنِّي، فَاذْهَبْ فَاشْتَرِ لِي أَفْرَهَ جَمَلٍ تَجِدُهُ فِيهَا، فاشتريت من عريف لمهرة جملا بخمسمئة، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ وَقُلْ: يُقْرِئُكِ ابْنُكِ مَالِكٌ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكِ: خُذِي هَذَا فَتَبَلَّغِي بِهِ.
قَالَ: فَأَتَيْتُهَا فَقَالَتْ: لا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، لَيْسَ بِابْنِي وَلا كَرَامَةَ لَهُ، وَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ، وَقَالَتْ: هُوَ الْقَاتِلُ ابْنَ عَتَّابٍ وَالضَّارِبُ ابْنَ أُخْتِي، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهَا، فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ حَسَرَ عَنْ سَاعِدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ لَتَلُومُنِي عَلَى الْمَوْتِ الْمُمِيتِ، إِنِّي أَقْبَلْتُ فِي رَجْرَجَةٍ مِنْ -[383]- مذحج، فإذا ابن عتاب قَدْ نَزَلَ فَعَانَقَنِي فَقَالَ: اقْتُلُونِي وَمَالِكًا، وَمَا أُحِبُّ أَنَّهُ قَالَ: اقْتُلُونِي وَالأَشْتَرَ، وَلا أَنَّ كُلَّ مَذْحِجِيَّةٍ وَلَدَتْ غُلامًا، قَالَ أَبِي: فَاغْتَمَزْتُهَا فِي عَقْلِهِ، قُلْتُ: مَا يَنْفَعُكَ أَنْتَ إِذَا قَتَلْتَ أَنْ تَلِدَ كُلُّ مَذْحِجِيَّةٍ غُلامًا! قَالَ: ثم دنا منه أبي فقال: أوصي بي صاحب البصرة، فإن لِي بِهَا مُقَامًا / بَعْدَكُمْ، قَالَ: لَوْ قَدْ رَآكَ صَاحِبُ الْبَصْرَةِ قَدْ أَكْرَمَكَ، كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ هُوَ الأَمِيرُ، قَالَ: فَخَرَجَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: قَدْ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ خَطِيبًا وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَرَجَعَ أَبِي فَأَخْبَرَ الأَشْتَرَ، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَنَهَرَهُ وَقَالَ: اجْلِسْ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَاطِلُ، قَالَ: فَلَمْ أَبْرَحْ أَنْ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَأَخْبَرَهُ بِمِثْلِ خَبَرِي، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ ذَاكَ، قَالَ: لا، فَنَهَرَهُ نَهْرَةً دُونَ الَّتِي نَهَرَنِي وَلَحَظَ إِلَيَّ وَأَنَا فِي جَانِبِ الْقَوْمِ - أَيْ إِنَّ هَذَا جَاءَ بِمِثْلِ خَبَرِكَ - قَالَ: فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَتَّابٌ التَّغْلِبِيُّ وَالسَّيْفُ يَخْطُرُ أَوْ يَضْطَرِبُ فِي عُنُقِهِ، فَأَخَذَ بِعُضَادَتَيِ الْبَابِ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الأَشْتَرُ: وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ السَّلامُ، فَقَالَ: هَذَا أَمِيرُ مُؤْمِنِيكُمْ قَدِ اسْتَعَمَلَ ابْنَ عَمِّهِ عَلَى الْبَصْرَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ لَهُ الأَشْتَرُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يَا أَعْوَرُ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ، لأَنَا سَمِعْتُهُ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَا أَشْتَرُ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمًا فِيهِ كُشُورٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِمَذْحِجِيَّتِهِ: ارْكَبُوا، فَرَكِبَ، وَمَا أُرَاهُ حِينَئِذٍ يُرِيدُ إِلا مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَهَمَّ عَلِيٌّ حِينَئِذٍ أَنْ يَبْعَثَ خَيْلا فَتُقَاتِلَهُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ تَأْمِيرِكَ أَنْ لَمْ تَكُنْ -[384]- لِذَلِكَ أَهْلا، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَلْقَى بِكَ أَهْلَ الشَّامِ وَهُمْ قَوْمُكَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْتَظْهِرَ بِكَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَنَادَوْا فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، قَالَ: فَأَقَامَ الأَشْتَرُ حَتَّى أَدْرَكَهُ أَوَائِلُ الْقَوْمِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ وَقْتٌ لَهُمْ يَوْمَ الاثْنَيْنِ فِيمَا رَأَيْتُ، فَلَمَّا صَنَعَ الأَشْتَرُ مَا صَنَعَ نَادَى فِي النَّاسِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالرَّحِيلِ.

اسم الکتاب : مجموع فيه مصنفات ابن البختري المؤلف : ابن البختري    الجزء : 1  صفحة : 378
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست