مدرسة الفقاهة
مکتبة مدرسة الفقاهة
قسم التصویري
قسم الکتب لأهل السنة
قسم التصویري (لأهل السنة)
ويکي الفقه
ويکي السؤال
فارسی
دلیل المکتبة
بحث متقدم
مجموع المکاتب
الصفحة الرئیسیة
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
جميع المجموعات
المؤلفین
الحدیث
علوم الحديث
العلل والسؤالات
التراجم والطبقات
الأنساب
جميع المجموعات
المؤلفین
متون الحديث
الأجزاء الحديثية
مخطوطات حديثية
شروح الحديث
كتب التخريج والزوائد
جميع المجموعات
المؤلفین
مدرسة الفقاهة
مکتبة مدرسة الفقاهة
قسم التصویري
قسم الکتب لأهل السنة
قسم التصویري (لأهل السنة)
ويکي الفقه
ويکي السؤال
صيغة PDF
شهادة
الفهرست
««الصفحة الأولى
«الصفحة السابقة
الجزء :
1
الصفحة التالیة»
الصفحة الأخيرة»»
««اول
«قبلی
الجزء :
1
بعدی»
آخر»»
اسم الکتاب :
فنون العجائب
المؤلف :
النقاش، أبو سعيد
الجزء :
1
صفحة :
109
§حَدِيثُ الضَّحَّاكِ
87 - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»
§حَدِيثٌ آخَرُ
87 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدٍ الْجَمَّالُ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَالَوَيْهِ الزَّنْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ، أَخْبَرَنِي إِسْرَافِيلُ بْنُ عِكْرِمَةَ الْكِسَائِيُّ، حَدَّثَنَا حاشِدُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَتْ §مَجَاعَةٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِكُثْبَانِ رَمَلٍ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا لِي دَقِيقًا، لَقَسَمْتُهُ فِي مَسَاكِينِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّ ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنْ قُلَ لِفُلَانٍ: قَدْ شَكَرْتُ لَكَ مَا فَكَّرْتَ، وَقَبِلْتُ مِنْكَ كَمَا لَوْ كَانَ هَذَا دَقِيقًا، فَقَسَمْتُهُ فِي مَسَاكِينِ بَنِي إِسْرَائِيلَ "
88 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ بَشِيرٍ أَبُو السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §لَمْ يَمْلِكِ الدُّنْيَا كُلَّهَا إِلَّا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ: مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ، وَكَانَ الْمُؤْمِنَانِ: ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا -[110]- السَّلَامُ، وَالْكَافِرَانِ: نَمْرَودُ بْنُ كَنْعَانَ، الَّذِي بَنَى الْمِجْدَلَ بِأَرْضِ بَابِلَ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عَدْنَانَ، وَتَقُولُ الْأَزْدُ: إِنَّهُ مِنْهُمْ، وَإِنَّهُ الضَّحَّاكُ بْنُ نَضْرِ بْنِ الْأَزْدِ، كَانَ عَلَى شُرْطَةِ ابْنِ حِمَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَزْدِ، الَّذِي تَضْرِبُ بِهِ الْعَرَبُ الْأَمْثَالَ فِي قَوْلِهِمْ: «أَكْفُرُ مِنْ حِمَارٍ، وَأَشَدُّ مِنْ حِمَارٍ» ، وَتَقُولُ الْعَجَمُ: إِنَّهُ مِنْهُمْ، وَهُو الَّذِي يُسَمُّونَهُ الدَّرْوَاسِفَ، وَكَانَ بِالدَّبَاوَنْدِ، وَكَانَ فِي أَوَّلِ مُلْكِهِ أَفْضَلَ الْمُلُوكِ، وَأَعْدَلَهُمْ، وَأَحْسَنَهُمْ، ذَاتَ بَيْنٍ، لَا يَتَظَالَمُونَ، وَلَا يَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَيْسَ مَنْزِلُ شَرِيفٍ مِنْهُمْ يَعْلُو عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ، مَنَازِلُهُمْ كُلُّهَا مُتَلَاصِقَةٌ، قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مُتَدَانِيَةٌ سَوَاءٌ، وَكَانُوا إِذَا أَمْسَوْا تَرَكُوا تِجَارَاتِهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي أَسْوَاقِهِمْ فِي مَوَاضِعِهَا، لَيْسَ عَلَيْهَا إِغْلَاقٌ، وَلَا أَبْوَابُ احْتِرَاسٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَتَعَاطَى سَرِقَةً، وَلَا خِيَانَةً، وَلَا غَدْرًا، وَكَانُوا لَا يَأْكُلُونَ شَيْئًا مِنَ اللُّحْمَانِ، وَلَا مِنَ الْأَوْدَاكِ، إِنَّمَا دَسَمُهُمُ الْأَدْهَانُ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، فَكَانُوا لَا يَمْرَضُونَ، وَلَا يُوصَبُونَ، فَكَانَ قَدْ أُمْهِلَ لَهُمْ فِي طُولِ الْعُمُرِ، فَأَجْلَبَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ بِمَرَدَةٍ شَيَاطِينَهُ؛ لِيُزِيلَهُمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَقْدِرِ الشَّيَاطِينُ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ يَفْتِنُونَهُمْ بِهِ، أَوْ يُزِيلُونَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ، فَقَالَ أبْلِيسُ: أَنَا أَبُو لِبَنِي، أَنَا لَهَا كَمَا كُنْتُ لِأَبِيهِمْ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَجَعَلَ نَفْسَهُ فِي صُورَةِ غُلَامٍ أَمْرَدَ، ثُمَّ أَتَى صَاحِبَ مَائِدَةِ الضَّحَّاكِ، فَانْتَسَبَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِ مَمْلَكَتِهِ، قَدْ كَانُوا فِيهَا، وَفِيهَا غَيْرُ مِنَ الْأَحْقَافِ، فَبَادُوا، وَخَرِبَتْ دِيَارُهُمْ، وَبَقِيَ ذِكْرُهُمْ، وَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنَ انْضَمَّ إِلَيْكَ، وَأَكُونُ فِي خِدْمَتِكَ، وَمَؤُونَتِي -[111]- يَسِيرُ، وَإِنْ عَظُمَتِ احْتَمَلْتُهَا لَكَ، فَانْظُرِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي تَحْتَ يَدِي، فَكُنْ فِي أَحَبِّهَا إِلَيْكَ، فَأَوْصَى بِهِ صَاحِبَ الْمَطْبَخِ، وَقَالَ: لَا يَكُونَنَّ أَحَدٌ مِمَّنْ قَبْلَكَ آثِرَ عِنْدَكَ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ، وَلَا تُكَلِّفْهُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا نَشِطَ لَهُ؟ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، لَا يَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ، فَجَعَلُوهُ الَّذِي يَغْسِلُ الْقُدُورَ وَالْقِصَاعَ، فَيَكْفِي عِشْرِينَ غُلَامًا مِنْهُمْ أَعْمَالَهُمْ، ثُمَّ ارْتَفَعَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الطَّبْخِ، فَجَعَلَ يَطْبُخُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَا كَانَ يَطْبُخُ قَطِيعٌ مِنْهُمْ، وَيَعْمَلُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ حَتَّى صَارَ عِنْدَهُمْ كَالرَّئِيسِ لَهُمْ، الْمُطَاعِ فِيهِمْ، فَأَخْبَرُوا صَاحِبَ مَائِدَةِ الضَّحَّاكِ بِأَمْرِهِ، فَدَعَا بِهِ، فَسَاءَلَهُ، وَنَاطَقَهُ، وَأُعْجِبَ بِظُرْفِهِ، وَلَبَاقَتِهِ، فَأَوْصَى وَكِيلَهُ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِ، وَيَتَعَاهَدَه بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَثِقَ الْقَوْمُ بِهِ، وَاطْمَأَنُّوا إِلَيْهِ قَالَ يَوْمًا لِصَاحِبِ مَائِدَةِ الضَّحَّاكِ: إِنَّا وَجَدْنَا فِي كُتِبِ الْمَاضِينَ مِنَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ صِفَةُ طَعَامٍ، يَأْكُلُهُ الْمُلُوكُ، وَأَهْلُ تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ مِنْ قَبْلِنَا فَكَانَ يُنْبِتُ اللَّحْمَ، وَيَشُدُّهُ، وَيُلْقِي الشَّحْمَ عَلَى الْمَفَاصِلِ، وَيَخْمَصُ الْبَطْنَ، وَيَذْبَحُ الْمَتْنَ، ويُطَيِّبُ النَّفْسَ، وَيُقَوِّيهَا، وَيَجِدُ الْقَلْبُ، فَإِنْ شِئْتَ اتَّخَذْتَ لِلْمَلِكِ مِنْهُ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ، وَوَافَقَهُ، وَإِلَّا أَعْرَضْتُ عَنْهُ قَالَ: فَافْعَلْ. قَالَ: فَعَمَدَ إِلَى هَذَا النِّغْرَانِ، وَهِيَ الْعَصَافِيرُ النَّقَّارَةُ، فَنَتَفَ رِيشَهَا، وَشَقَّ بُطُونَهَا، فَرَمَى بِأَمْعَائِهَا، وَقَطَعَ رُءُوسَهَا، وَجَعَلَهَا فِي الْمَنَاخِيرِ، فَدَقَّهَا حَتَّى رَضَّهَا، ثُمَّ عَصَرَهَا، وَجَعَلَهَا فِي الْقِدْرِ، فَلَمَّا أَكَلَهُ الْمَلِكُ وَجَدَ طَعْمًا لَمْ يَجِدْ مِثْلَهُ فِي طَعَامٍ قَطُّ أَكَلَهُ مِثْلَهُ، فَقَالَ لِصَاحِبِ مَائِدَتِهِ: وَيْحَكَ مَا أَكَلْتُ طَعَامًا قَطُّ أَلَذَّ وَأَشْهَى عِنْدِي مِنْ هَذَا، فَمَنْ عَمَلَهُ؟ قَالَ: الْغُلَامُ الْغَرِيبُ الَّذِي رَأَيْتَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ آلِ فُلَانٍ الْمَلِكِ زَعَمَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا صِفَةَ هَذَا الطَّعَامِ فِي كُتِبِ أَوَّلِيهِمْ , قَالَ: فَقُلْ لَهُ: يَتَّخِذُ طَعَامِي كُلَّهُ عَلَى هَذِهِ الصُّفَّةِ، فَعَمَدَ أَبُو لَبْنِيٍّ إِلَى أَصْنَافِ الطَّيْرِ مِنْ عِظَامِهَا، وَصِغَارِهَا، فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ، أَطْعَمَهُ، فَأَكَلَ شَيْئًا لَمْ يَأْكُلْ مِثْلَهُ قَطُّ، وَكَانَ أَلَذَّ وَأَطْيَبَ مِنَ -[112]- الْأَوَّلِ، فَدَعَاهُ الضَّحَّاكُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هَذَا الطَّعَامُ؟ قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ , إِنَّمَا تَأْكُلُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَاءَهُ، فَكَيْفَ لَوْ أَكَلْتَ لَحْمَهُ قَالَ: فَأَطْعِمْنِيهِ، فَأَطْعَمَهُ صُنُوفَ اللُّحْمَانِ، وَالْأَوْدَاكِ، وَأَقْبَلَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ وَالْوَدَكِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اسْتَمْكَنَ مِنْهُمْ، أَتَى الضَّحَّاكَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ. إِنَّهُ جَاءَنِي رَسُولٌ مِنْ قِبَلِ أَهْلِي، فَذَكَرَ لِي أَمْرًا قَدْ وَقَعَ لَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أَلُمَّ بِهِمْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَلِكِ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَمْوَالٍ وَكِسًي، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا حَاجَةَ لِي فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، إِنَّ لَدَيْنَا مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ كَثِيرًا مِمَّا كَانَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُلُوكِ، فَصَارَ رَثُّهُ لَقَلِيلٍ مِنَّا، وَلَا أَرَبَ لِي مِمَّا بَلَغَنِي عَنْ بِلَادِي أَنَّهَا قَدِيرٌ، وَأَمَانَةٌ، وَحَسُنَ حَالُهَا، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ يُكْرِمَنِيَ الْمَلِكُ الْكَرَامَةَ الَّتِي أَرْتَفِعُ بِهَا فِي جَمِيعِ مَمْلَكَتِهِ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أُقِبِّلُ مَا بَيْنَ كَتِفَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ , وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ لَا يُقَبِّلُونَ أَيْدِي الْمُلُوكِ إِنَّمَا يُقَبِّلُونَ مَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ، فَقَبَّلَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَخَرَجَ، وَمَضَى، وَضَرَى الْقَوْمُ عَلَى أَكْلِ اللِّحُومِ، فَكَانُوا يَتَظَالَمُونَ، وَتَقَاطَعُوا، وَتَحَاسَدُوا، فَوَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ، وَصَارُوا إِلَى الْخِيَانَةِ، وَالسَّرِقَةِ، وَشَمَلَهُمُ الدَّاءُ وَالْفَنَاءُ، وَنَبَتَ بَيْنَ كَتِفَيِ الْمَلِكِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَبَّلَهُ حَيَّةٌ، فَمَنَعْتُهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالنَّوْمِ وَالْقَرَارِ، مِمَّا يَصِيحُ فِي أُذُنِهِ , وَيَنْطَوِي عَلَى عُنُقِهِ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَمَرَ بِقَطْعِهَا , فَنَبَتَتْ فِي مَكَانِهَا حَيَّتَانِ، فَلَقِيَ مِنْهُمْا الْبَلَاءَ كُلَّهُ , وَكَرِهَ أَنْ يَقْطَعَهُمَا فَيَصِرْنَ أَرْبَعًا , فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ إِبْلِيسُ مما أراد مِنْهُمْ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْزِيَهُمْ، وَنَزَلَ بِالضَّحَّاكِ مَا نَزَلَ بِهِ , جَاءَ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ، فَجَعَلَ يَطُوفُ الْبِلَادَ، وَيَتَطَبَّبُ، وَلَا يُعَالِجُ أَحَدًا إِلَّا شُفِيَ بِإِذْنِ اللَّهِ، حَتَّى وَقَعَ ذِكْرُهُ إِلَى الضَّحَّاكِ، فَدَعَاهُ فَأَرَاهُ الْحَيَّتَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ الْغُلَامِ الَّذِي قَبَّلَ بين كَتِفَيْكَ، وَكُلَّمَا قُطِعْنَ أَضْعَفْنَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَةٍ: ابْعَثْ إِلَى بِلَادِهِ حَتَّى يُأْتَى بِهِ، فَقَالَ لَهُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ذَاكَ رَجُلٌ -[113]- سَاحِرٌ، لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَسْحَرُ مِنْهُ. إِنَّمَا مَسْكَنُهُ الْبِحَارُ، وَالْقِفَارُ، وَالْجِبَالُ، وَالْأَوْدِيَةُ، فَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَفَمَا مِنْ حِيلَةٍ لِهَاتَيْنِ الْحَيَّتَيْنِ؟ قَالَ: بَلَى، تَجْعَلُ رِزْقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ يَوْمٍ دِمَاغَ إِنْسَانٍ، فَإِنَّهُمَا يَسْكُنَانِ وَيَهْدِئَانِ، فَتَظَلُّ مُسْتَرِيحًا مِنْهُمَا إِلَى الْغَدِ، فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي تَأْتِيهِمَا أَرْزَاقَهُمَا، فَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَأْمُرُ وَيَقْتُلُ رَجُلَيْنِ مِنَ السِّجْنِ، يُخْرِجُهُمَا، وَيُطْعِمُهُمَا دِمَاغَهُمَا، حَتَّى أَسْرَعَ فِي أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَأَهْلِ بَابِلَ، وَأَهْلِ فَارِسٍ الْفَنَاءُ، وَفِي جَمِيعِ تِلْكَ النَّوَاحِي مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَقَدْ كَانَ قَدْ مَرَّ رَجُلٌ مِنَ الرَّيِّ تَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّكَ قَدْ أَفْنَيْتَ أَهْلَ مَمْلَكَتِكَ مِنْ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ مَمْلَكَتَكَ نَحْوُ الْمَشْرِقِ، وَأَكْثَرُ أَرْضِ اللَّهِ جُمْجُمَةً، فَلَوْ أَتَيْتَ الرَّيَّ فَكَانَتْ أَرْضُ الْجِبَالِ خَلْفَكَ، وَخُرَاسَانُ أَمَامَكَ، وَالتُّرْكُ وَجَمِيعُ تِلْكَ الْأُمَمِ أَمَامَكَ وَخَلْفَكَ، فَوَلَّى ذَلِكَ الرَّازِيَّ مِصْرَ، وَأَقْبَلَ فَجَعَلَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ رَجُلَيْنِ كُلِّ يَوْمٍ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الرَّيِّ، فَوَكَّلَ بِذَلِكَ مَلِكَ دَمَاوَنْدَ، فَكَانَ يَذْبَحُ شَاةً، وَيَقْتُلُ رَجُلًا، فَيَخْلِطُ دِمَاغَهُمَا وَيُطْعِمُهُمَا، وَكَانَ فِي مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ حَيَّةٌ، وَفِي مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ حَيَّةٌ، فَكَانَ إِذَا أَصْبَحَ فَلَمْ يُبَادَرْ طَعَامَهُمَا، أَقْبَلَتَا عَلَى وَجْهِهِ تَنْهَشَانَهُ، وَكَانَ يَجْلِسُ فِي مَجْلِسِهِ، وَلِمَجْلِسِهِ كُمَّانِ فَرَأْسُ إِحْدَى الْحَيَّتَيْنِ فِي إِحْدَى الْكُمَّيْنِ، وَرَأْسُ الْأُخْرَى فِي الْكُمِّ الْآخَرِ، وَكَانَ يُذْبَحُ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَجُلَانِ، ثُمَّ يَنْكُتُ دِمَاغَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمَا، وَيُقَدِّمُ إِلَى هَذِهِ وَاحِدًا، وَإِلَى هَذِهِ وَاحِدًا، فَيَلُغَانِ فِيهِ، فَإِذَا أَكَلَتَاهُ سَكَنَتَا، فَلَمَّا أَسْرَعَ فِي قَتْلِ النَّاسِ، بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ نَبِيًّا، فَأَتَاهُ، وَكَانَ يَجْلِسُ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَيُنَادِي: مَنْ لَهُ مَظْلَمَةٌ، فَأَتَاهُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَظْلَمَ الظَّالِمِينَ , تَظْلِمُ النَّاسَ وَتَقْتُلُهُمْ، ثُمَّ تُنَادِي: مَنْ لَهُ مُظْلِمَةٌ أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَأَنَا أُذْهِبُ مَا أَنْتَ فِيهِ عَنْكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَقْتِ إِطْعَامِ الْحَيَّتَيْنِ أَمَرَ بِشَاةٍ، فَذُبِحَتْ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ رَجُلٍ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَخَذَ دِمَاغَ الشَّاةِ وَدِمَاغَ الْإِنْسَانِ فَخَلَطَهُمَا، وَقَسَمَهُمَا بِنِصْفَيْنِ، وَقَدَّمَهُمَا إِلَيْهِ، فَوَلَغَتَا فِيهِ، فَسَكَنَتَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، ذَبَحَ شَاتَيْنِ، وَلَمْ يَذْبَحْ إِنْسَانًا، ثُمَّ قَدَّمَ إِلَيْهِمَا أَدْمِغَتَهُمَا، فَقَبِلَتَهُمَا الْحِيتَانِ، وَسَكَنَتَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْكَ مَا كُنْتَ تَقْتُلُ هَذَا الْخَلْقَ لِأَجْلِهِ، وَأَنْتَ لِإِطْعَامِكَ الْغَنَمَ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ، فَآمِنْ بِاللَّهِ -[114]- عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا شَرَطْتَ لِي، فَعَصَاهُ، وَأَبَى، فَشَدَّهُ فِي الْحَدِيدِ شَدًّا شَدِيدًا، وَأَمَرَ الْجَبَلَ، فَانْفَرَجَ لَهُ، فَعَلَّقَهُ فِيهِ مَنْكُوسًا، فَانْطَبَقَ الْجَبَلُ عَلَيْهِ قَالَ: فَلَا يَزَالُ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَسْمَعُونَ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينَ الْأَنِينَ، وَرُبَّمَا رَأَوُا الدُّخَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ: فَالْفُرْسُ تَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَالْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ" قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ: فَقُلْتُ لِهِشَامٍ: مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْعَرَبِ، كَيْفَ يَنْسُبُهُ؟ قَالَ: يَقُولُ الضَّحَّاكُ بْنُ الْأَهْيُومِ بْنِ الْأَزْدِ , قَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ: " وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمَّا أَسْرَعَ فِي قَتْلِ النَّاسِ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ، فَأَوْثَقَاهُ بِالْحَدِيدِ، وَصَعَدَا بِهِ إِلَى جَبَلِ دَبَاوَنْدَ، فَهُوَ مُوثَقٌ فِي أَعْلَى الْجَبَلِ، وَالْجَبَلُ يَخْرُجُ مِنْهُ دُخَانٌ مِثْلُ دُخَانِ النَّارِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَيْسَ يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَطْلُعَ إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ إِلَّا السَّحَرَةُ، حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي انْحِدَارِهِ، وَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَيُقَالُ: إِنَّ الرَّجُلَيْنِ يَصْعَدَانِ رَأْسَ الْجَبَلِ، وَيُصِيبَانِ مَالًا، فَيَتَشَاجَرَانِ فِيهِ، فَيَأْتِيَانَهُ، فَيَقُولَانِ: اقْضِ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ لَهُمَا: احْتَكِمَا إِلَى اللَّذَيْنِ أَوْثَقَانِي، فَيَقُولَانِ: إِنَّمَا هُمَا صَخْرَتَانِ، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ، اعْتَمَدَ عَلَى الْحَدِيدِ الَّذِي عَلَيْهِ وَقَدْ نَحِلَ، فَقَطَعَهُ، فَأَوَّلُ مَنْ يَثُورُ بِهِ الْحِيتَانِ بِالرَّجُلَيْنِ، فَيَأْكُلَانَهُمَا، ثُمَّ يَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَلْقَى النَّاسُ مِنْهُ شِدَّةً شَدِيدَةً، حَتَّى يُهْلِكَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمُلُوكِ سُدِلَ عَلَيْهِ الْحِجَابُ، وَصُنِعَ لَهُ التَّاجُ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَأَوَّلُ مَنْ نُسِجَ لَهُ الدِّيبَاجَةُ بِالذَّهَبِ، وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّ النَّيْرُوزَ وَالْمَهْرَجَانِ، وَكَانَ عَاقِرًا عَقِيمًا، لَا يُولَدُ لَهُ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ شَعْرٌ طَوِيلٌ وَصَفَ فِيهِ نَفْسَهُ وَمُلْكَهُ، وَذَكَرَ فِيهِ الْمُلُوكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِهِ، حَتَّى ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِفَتَهُ، وَدَوْلَتَهُ، وَمَخْرَجَهُ، وَظُهُورَ دَوْلَةِ أُمَّتِهِ عَلَى جَمِيعِ الْمُلُوكِ وَالْأَزْمَانِ، وَأَسْبَابَ الْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يُحْفَظْ مِنْهُ إِلَّا هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، فِيهَا تَصْدِيقُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ الضَّحَّاكُ بْنُ عَدْنَانَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعَجَمِ، وَلَا مِنَ الْأَزْدِ
[البحر المنسرح]
أَنَا ابْنُ عَدْنَانَ الْمُنْتَمِي ... صُعُدًا إِلَى النَّبِيِّ الَّذِي لَهُ الْكُتُبُ
سُمِّيتُ فِي الْمَهْدِ إِذْ تَسَمَّيْتُ ... ضَحَّاكًا وَكَذَا الْأَسْمَاءُ يُقْتَضِبُ
لَسْتُ بِضَّحَّاكِهِمْ وَلَا غَزِلٍ ... صَبٍّ وَلَا مِنْ قَبَائِلِ اللَّعِبُ
لَكِنَّنِي السَّيِّدُ الْقَلَمْسُ لَمْ يُخْلَقْ ... مَثَلِي قَبْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَرَبُ
-[115]-
الْمَلِكُ الْبَاذِخُ الْمُعَمِّرُ لَمْ يَقْصُرْ ... قَبْلِي عَلَى أَمْرِي حُجُبُ
يَضَعُ قَبْلَ صِيغَتِي التَّاجَ ... بِالْيَاقُوتِ فِيهِ الْمُرْجَانُ وَالذَّهَبُ
وَلَمْ يُشَبِ الدِّيبَاجُ بِالذَّهَبِ ... الْعُقْيَانِ حَتَّى يَكَادَ يَلْتَهِبُ
أَمْلِكُ مَا بَيْنَ خَافِقَيْ بَلَدِ اللَّهِ ... فَذَلِكَ مِنْ مَنِّهِ سَبَبُ
يَا وَيْحَ مُلْكِي مُلْكًا قَهَرْتُ ... بِهِ النَّاسَ جَمِيعًا لَوْ أَنَّ لِيَ عَقِبُ
قَالَ: وَمَلَكَ الضَّحَّاكُ الدُّنْيَا كُلَّهَا أَلْفَ سَنَةٍ"
اسم الکتاب :
فنون العجائب
المؤلف :
النقاش، أبو سعيد
الجزء :
1
صفحة :
109
««الصفحة الأولى
«الصفحة السابقة
الجزء :
1
الصفحة التالیة»
الصفحة الأخيرة»»
««اول
«قبلی
الجزء :
1
بعدی»
آخر»»
صيغة PDF
شهادة
الفهرست
إن مکتبة
مدرسة الفقاهة
هي مكتبة مجانية لتوثيق المقالات
www.eShia.ir