responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الغرباء المؤلف : الآجري    الجزء : 1  صفحة : 78
61 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ:
[البحر الكامل]
§زَعَمَ الَّذِينَ تَشَرَّقُوا وَتَغَرَّبُوا ... أَنَّ الْغَرِيبَ وَإِنْ أَعَزَّ ذَلِيلُ
فَأَجْبُتُهُمْ أَنَّ الْغَرِيبَ إِذَا اتَّقَى ... حَيْثُ اسْتَقَلَّ بِهِ الرِّكَابُ خَلِيلُ
قَالُوا الْغَرِيبُ يُهَانُ قُلْتُ تَجَلَّدَا ... إِنَّ الْإِلَهَ بِنَصْرِهِ لَكَفِيلُ
قَالُوا الْغَرِيبُ إِذَا يَمُوتُ بِبَلْدَةٍ ... لَمْ يُبْكَ أَوْ يُسْمَعْ عَلَيْهِ عَوِيلُ
قُلْتُ الْغَرِيبُ كَفَاهُ رَحْمَةُ رَبِّهِ ... وَغِنَى الْبُكَاءِ عَلَى الْفَقِيدِ قَلِيلُ

62 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ:
[البحر الطويل]
تَغَرَّبْتُ عَنْ أَهْلِي فَظَلْتُ مُشَرَّدًا ... وَحِيدًا طَرِيدًا فِي الْبِلَادِ أَدُورُ
وَخَلَّفْتُ إِخْوَانِي وَأَهْلِي وَجِيرَتِي ... يَنُوحُونَ شَجْوًا إِنَّنِي لَصَبُورُ
وَلِي وَطَنٌ مَا إِنْ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُهُ ... وَلَكِنْ مَقَادِيرُ جَرَتْ وَأُمُورُ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَغْرَبُ الْغُرَبَاء فِي وَقْتِنَا هَذَا مَنْ أَخَذَ بِالسُّنَنِ وَصَبَرَ عَلَيْهَا , وَحَذِرَ الْبِدَعَ وَصَبَرَ عَنْهَا , وَاتَّبَعَ آثَارَ مَنْ سَلَفَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ , وَعَرَفَ زَمَانَهُ وَشِدَّةَ فَسَادِهِ وَفَسَادَ أَهْلِهِ , فَاشْتَغْلَ بِإِصْلَاحِ شَأْنِ نَفْسِهِ مِنْ حِفْظِ جَوَارِحِهِ , وَتَرْكِ الْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَعَمِلَ فِي إِصْلَاحِ كَسْرَتِهِ , وَكَانَ طَلَبُهُ مِنَ الدُّنْيَا مَا فِيهِ كِفَايَتُهُ وَتَرْكُ الْفَضْلِ الَّذِي يُطْغِيهِ , وَدَارَى أَهْلَ زَمَانِهِ وَلَمْ يُدَاهِنُهُمْ , وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ , فَهَذَا غَرِيبٌ وَقَلَّ مَنْ يَأْنَسُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَشِيرَةِ وَالْإِخْوَانِ , وَلَا يَضُرَّهُ ذَلِكَ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: افْرُقْ لَنَا بَيْنَ الْمُدَارَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ , قِيلَ لَهُ: الْمُدَارَاةُ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا الْعَاقِلُ , وَيَكُونُ مَحْمُودًا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَعِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُدَارِي جَمِيعَ النَّاسِ الَّذِينَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُمْ , وَمِنْ مُعَاشَرَتِهِمْ لَا يُبَالِي مَا نَقَصَ مِنْ دُنْيَاهُ , وَمَا انْتُهِكَ بِهِ مِنْ عِرْضِهِ بَعْدَ أَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ , فَهَذَا رَجُلٌ كَرِيمٌ غَرِيبٌ فِي زَمَانِهِ. وَالْمُدَاهَنَةُ: فَهُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا نَقَصَ مِنْ دِينِهِ إِذَا سَلِمَتْ لَهُ دُنْيَاهُ , قَدْ هَانَ عَلَيْهِ ذَهَابُ دِينِهِ وَانْتِهَاكُ عِرْضِهِ , بَعْدَ أَنْ تَسْلَمَ لَهُ دُنْيَاهُ , فَهَذَا فِعْلُ مَغْرُورٍ , فَإِذَا عَارَضَهُ الْعَاقِلُ فَقَالَ: هَذَا لَا يَجُوزُ لَكَ فِعْلُهُ قَالَ: نُدَارِي فَيَكْسُو الْمُدَاهَنَةَ الْمُحَرَّمَةَ اسْمَ الْمُدَارَاةِ , وَهَذَا غَلَطٌ كَبِيرٌ مِنْ قَائِلِهِ , فَاعْلَمْ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ , وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنُ يُدَارِي وَلَا يُمَارِي , يَنْشُرُ حِكْمَةَ اللَّهِ , فَإِنْ قُبِلَتْ حَمِدَ اللَّهَ , وَإِنْ رُدَّتْ حَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ بِحَكِيمٍ مَنْ لَمْ يُعَاشِرْ بِالْمَعْرُوفِ لِمَنْ لَا يَجِدُ مِنْ مُعَاشَرَتِهِ بُدًّا , حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ غَرِيبٌ طُوبَى لَهُ ثُمَّ طُوبَى لَهُ

اسم الکتاب : الغرباء المؤلف : الآجري    الجزء : 1  صفحة : 78
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست