responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأخبار الموفقيات المؤلف : الزبير بن بكار    الجزء : 1  صفحة : 76
فَوَجَّهَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَعَدَ مَعَ مَشَايِخِ قُرِيشٍ، وَتَجَنَّبَ شَبَابَهُمْ، وَجَاءَتْهُ أَلْطَافُ أَبِيهِ مِنْ مِصْرَ، فَجَعَلَ يُقَسِّمُهَا بَيْنَهُمْ، فَشَهَرَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِعِلْمِهِ، وَعَقْلِهِ مَعْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ، فَحَسَدَهُ فَتْيَانُ قُرَيشٍ، فَقَعَدُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَبَا حَفْصٍ؟ فَقَالَ: مَهْلا إِيَّايَ وَكَلامَ الْمَجَعَةِ، فَشُهِرَتْ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى كُتِبَ بِهَا إِلَى أَبِيهِ بِمِصْرَ، وَالْمَجَعَةُ الْقَلِيلَةُ عُقُولُهُمْ، الضَّعِيفَةُ آرَاؤُهُمْ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ، فَخَلَطَهُ بِوَلَدِهِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَزَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، وَهَيِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا الشَّاعِرُ:
بِنْتُ الْخَلِيفَةِ وَالْخَلِيفَةُ جَدُّهَا ... أُخْتُ الْخَلائِفِ وَالْخَلِيفَةُ زَوْجُهَا
فَلَمْ تَكُنِ امْرَأَةٌ تَسْتَحِقُّ هَذَا الْبَيْتَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا غَيْرَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ يَعيِبُونَ عُمَرَ مِمَّنْ يَحْسُدُهُ لا يَعِيبُونَهُ إِلا بِشَيْئَيْنِ: بِالْإِفْرَاطِ فِي النِّعْمَةِ، وَالِاخْتِيَالِ فِي الْمِشْيَةِ، وَلَوْ كَانُوا يَجْدُونَ ثَالِثًا لَجَعَلُوُهُ مَعْهُمَا، وَهُوَ قُولُ الأَحْنَفِ: الْكَامِلُ مَنْ عُدِّتْ هَفَوَاتُهُ، وَلا تُعَدُّ إِلا مِنْ قِلَّةٍ.
فَدَخَلَ يَوْمًا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ يَتَجَانَفُ فِي مِشْيَتِهِ.
فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ مَالَكَ تَمْشِي غَيْرَ مِشْيَتِكَ؟ قَالَ: إِنَّ بِي جُرْحًا.
قَالَ: وَفِي أَيِّ جَسَدِكَ؟ قَالَ: بَيْنَ الرَّانِفَةِ وَالصَّفَنِ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لرَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَوْ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِكَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا لَمَّا أَجَابَ هَذَا الْجَوَابَ
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ عُمَارَةَ اللَّخْمِيُّ: " كُنْتُ أُجَالِسُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَقَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَكُنَّا نَخُوضُ فِي فُنُونِ الأَحَادِيثِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ، فَكُنْتُ لا أَجِدُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِثْلَمَا أَجِدُهُ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، مَنِ اتِّسَاعِهِ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَتَصَرُّفِهِ فِي فُنُونِ الْعِلْمِ، وَحُسْنِ اسْتِمَاعِهِ إِذَا حُدِّثَ، وَحَلاوةِ لَفْظِهِ إِذَا حَدَّثَ، فَخَلَوْتُ بِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَمَسْرُورٌ بِمَا أُشَاهِدُهُ مِنْ كَثْرَةِ تَصَرُّفِكَ، وَحُسْنِ حَدِيثِكَ، وَإِقْبَالِكَ عَلَى جَلِيسِكَ، فَقَالَ لِي: إِنَّكَ إِنْ تَعِشْ قَلِيلا سَتَرَى الْعُيُونَ إِلَيَّ طَامِحَةً، وَالأَعْنَاقَ إِلَيَّ قَاصِدَةً، فَلا عَلَيْكَ أَنْ تُعْمِلَ إِلَيَّ رِكَابَكَ، فَلأَمْلأَنَّ يَدَيْكَ.
قَالَ مَالِكٌ: فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيْهِ الْخِلافَةُ أَتَيْتُهُ، فَرَأَيْتُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا وَقَعَتْ عَيْنَاهُ عَلَيَّ بَسَرَ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: لَمْ يُثْبِتْنِي مَعَرِفَةً، أَوْ عَرَفَنِي فَأَظْهَرَ لِي نُكْرَةً.

اسم الکتاب : الأخبار الموفقيات المؤلف : الزبير بن بكار    الجزء : 1  صفحة : 76
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست