responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأخبار الموفقيات المؤلف : الزبير بن بكار    الجزء : 1  صفحة : 27
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ: فَبَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي الْمِسْجِدِ الأَعْظَمِ إِذْ أَتَانَا آتٍ، فَقَالَ: هَذَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ قَدْ قَدِمَ أَمِيرًا عَلَى الْعِرَاقِ، فَاشْرَأَبَّ النَّاسُ نَحْوَهُ، ثُمَّ افْرَاجُّوا إِفْرَاجَّةً عَنْ صَحْنِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا نَحْنُ بَهِ يَتَبَهْنَسُ فِي مِشْيَتِهِ، عَلَيْهِ عِمَامَةٌ حَمْرَاءُ مُتَلَثِّمًا، بِهَا مُنْتَكِبًا قَوْسًا عَرَبِيَّةً، يَؤُمُّ الْمَنْبَرَ، فَمَا زِلْتُ أَرْمُقُهُ بِبَصَرِي حَتَّى صَعِدَ الْمَنْبَرَ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ مَا يَحْدِرُ اللِّثَامَ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يَوْمَئِذٍ لَهُمْ حَالٌ حَسَنٌ، وَهَيْئَةٌ جَمِيلَةٌ وَعِزٌّ وَمَنَعَةٌ وَيَسَارٌ، يَدْخُلُ الرَّجُلُ مِنْهُمُ الْمَسْجِدَ وَمَعَهُ عَشَرَةُ أَوْ عِشْرُونَ رَجُلا مِنْ مَوَالِيهِ وَأَتْبَاعِهِ، عَلَيْهِمُ الْخُزُونُ وَالْقُوهِيَّةُ، وَفِي الْمَسْجِدِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ البُرْجُمِيُّ.
فَقَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدَ التَّمِيمِيِّ: هَلْ لَكَ أَنْ أَحْصِبَهُ لَكَ؟ قَالَ: لا، حَتَّى أَسْمَعَ كَلامَهُ.
فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ حَيْثُ يَسْتَعْمِلُونَ عَلَيْنَا مِثَلَ هَذَا، وَلَقَدْ ضَبَّعَ اللَّهُ الْعِرَاقِ حَيْثُ يَكُونُ عَلَيْهَا مِثْلُ هَذَا أَمِيرًا، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ كَلامًا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا.
وَالْحَجَّاجُ سَاكِتٌ يَنْظُرُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً، حَتَّى غُصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، إِنَيِ لأَعْرِفُ قَدْرَ اجْتِمَاعِكُمِ.
أَجْتَمَعْتُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: قَدِ اجْتَمَعْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً لا يَتَكَلَّمُ.
فَقَالُوا: مَا يَمْنَعَهُ مِنِ الْكَلامِ إِلا الْعِيُّ وَالْحَصْرُ.
فَقَامَ الْحَجَّاجُ، فَحَدَرَ لِثَامَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ.
أَنَا ابْنُ جَلا وَطَلاعُ الثَّنَايَا ... مَتَى أَضَعِ الْعِمَامَةَ تَعْرِفُونِي
صَلِيبُ الْعُودِ مِنْ سَلَفِي تُرَانُ ... كَنَصْلِ السَّيْفِ وَضَّاحِ الْجَبِينِ
وَمَاذَا يَدَّرِي الشُّعَرَاءُ مِنِّي ... وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينِ
أَخْو خَمْسِينَ مُجْتَمِعًا أَشُدِّي ... وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ السِّنِينِ
وَإِنِّي لا أَعُودُ إِلَى مُرَبِّي ... غَدَاةَ الْغِبِّ إِلا أَيَّ حِينِ
وَاللَّهِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ إِنِّي لأَرَى رُءُوسًا قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُهَا، وَإِنِّي لَصَاحِبُهَا، وَاللَّهِ إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى الدِّمَاءِ بَيْنَ الْعَمَائِمِ وَاللِّحَى.
هَذَا أَوَانُ الشَّدِّ فَاشْتَدِّي زِيَمْ ... قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَاقٍ حُطَمْ
لَيْسَ بَرَاعِي إِبِلٍ وَلا غَنَمْ ... لا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرٍ وَضَمْ
ثُمَّ قَالَ:
قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بَعَصْلَبِيِّ ... وَشَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ شَمِّرِي
أَرْوَعَ خَرَّاجٍ مِنَ الدَّوِيِّ ... مُهَاجِرٍ لَيْسَ بِأَعْرَابِيِّ
ثُمَّ قَالَ:
مَا عِلَّتِي وَأَنَا شَيخٌ إِدٌّ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُرُدُّ
مِثْلُ ذِرَاعِ البَكْرِ أَوْ أَشَدُّ وَاللَّهِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، لا يُغْمَزُ جَانِبِي كَتِغْمَازِ التِّينِ، وَلا يُقَعْقَعُ لِي بِالشَّنَانِ.
وَلَقَدْ فُرِرْتُ عَنْ ذَكَاءٍ، وَفُتِّشْتُ عَنْ تَجْرِبَةٍ، وَأَجْرَيْتُ عَنِ الْغَايَةِ، وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَثَرَ كِنَانَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَجِمَ عِيدَانُهَا فَوَجَدَنِي أَمَرَّهَا سَهْمًا، وَأَشَدَّهَا مَكْسِرًا، فَوَجَّهَنِي إِلَيْكُمْ وَرَمَاكُمْ بِي.

اسم الکتاب : الأخبار الموفقيات المؤلف : الزبير بن بكار    الجزء : 1  صفحة : 27
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست