responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأخبار الموفقيات المؤلف : الزبير بن بكار    الجزء : 1  صفحة : 242
مَرِضَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَعَادَهُ عُثْمَانُ وَمَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَجَعَلَ عُثْمَانُ يَسْأَلُ عَلِيًّا عَنْ حَالِهِ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ لا يُجِيبُهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: «لَقَدْ أَصْبَحْتَ يَا أَبَا الْحَسَنِ مِنِّي بَمْنِزِلَةِ الْوَلَدِ الْعَاقِّ لأَبِيهِ، إِنْ عَاشَ عَقَّهُ، وَإِنْ مَاتَ فَجَعَهُ.
فَلَوْ جَعَلْتَ لَنَا مِنْ أَمْرِكَ فَرَجًا، إِمَّا عَدُوًّا أَوْ صَدِيقًا، وَلَمْ تَجْعَلْنَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْمَاءِ.
أَمَا وَاللَّهِ لأَنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ فُلانٍ وَفُلانٍ، وَإِنْ قُتِلْتُ لا تَجِدُ مِثْلِي» .
فَقَالَ مَرْوَانُ: أَمَا وَاللَّهِ لا يُرَامُ مَا وَرَاءَنَا حَتَّى تَتَوَاصَلَ سُيُوفُنَا وَتُقْطَعَ أَرْحَامُنَا.
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ، وَقَالَ: " اسْكُتْ لا سَكَتَّ، وَمَا يُدْخِلُكَ فِيمَا بَيْنَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " خَرَجْتُ أُرِيدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلَقِيتُهُ رَاكِبًا حِمَارًا، وَقَدِ ارْتَسَنَهُ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ، فِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ مَخْصُوفَتَانِ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَقَمِيصٌ صَغِيرٌ، وَقَدِ انْكَشَفَتْ مِنْهُ رِجْلاهُ، إِلَى رُكْبَتَيْهِ، فَمَشَيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، وَجَعَلْتُ أَجْذِبُ الإِزَارَ وَأُسَوِّيهِ عَلَيْهِ، كُلَّمَا سَتَرْتُ جَانِبًا انْكَشَفَ جَانِبٌ، فَيَضْحَكُ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لا يُطِيعُكَ، حَتَّى جِئْنَا الْعَالِيَةَ فَصَلَّيْنَا، ثُمَّ قَدَّمَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْنَا طَعَامًا مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَإِذَا عُمَرُ صَائِمٌ، فَجَعَلَ يَنْبِذُ إِلَيَّ طَيِّبَ اللَّحْمِ، وَيَقُولُ: كُلْ لِي وَلَكَ، ثُمَّ دَخَلْنَا حَائِطًا، فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ، وَقَالَ: اكْفِنِيهِ، وَأَلْقَى قَمِيصَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَلَسَ يَغْسِلُهُ، وَأَنَا أَغْسِلُ رِدَاءَهُ، ثُمَّ جَفَّفْنَاهُمَا وَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ، فَرَكِبَ وَمَشَيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، وَلا ثَالِثَ لَنَا ".
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي فِي خِطْبَةٍ فَأَشِرْ عَلَيَّ.
قَالَ: وَمَنْ خَطَبْتَ؟ قُلْتُ: فُلانَةُ ابْنَةُ فُلانٍ.
قَالَ: النَّسَبُ كَمَا تُحِبُّ، وَكَمَا قَدْ عَلِمْتَ، وَلَكِنْ فِي أَخْلاقِ أَهْلِهَا دِقَّةً لا تَعْدِمُكَ أَنْ تَجِدَهَا فِي وَلَدِكَ.
قُلْتُ: فَلا حَاجَةَ لِي إِذًا فِيهَا.
قَالَ: فَلِمَ لا تَخْطُبُ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ يَعْنِي عَلِيًّا؟ قُلْتُ: أَلَمْ تَسْبِقْنِي إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَالأُخْرَى، قُلْتُ: هِيَ لابْنِ أَخِيهِ.
قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ صَاحِبَكُمْ إن وَلِيَ هَذَا الأَمْرَ أَخْشَى عُجْبَهُ بِنَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ، فَلَيْتَنِي أَرَاكُمْ بَعْدِي.
قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ صَاحِبَنَا مَا قَدْ عَلِمْتَ، إِنَّهُ مَا غَيَّرَ وَلا بَدَّلَ، وَلا أَسْخَطَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيَّامَ صُحْبَتِهِ لَهُ.
قَالَ: فَقَطَعَ عَلَيَّ الْكَلامَ، فَقَالَ: وَلا فِي ابْنَةِ أَبِي جَهْلٍ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَى فَاطِمَةَ! .
قُلْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] وَصَاحِبُنَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى سُخْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْفَقِيهُ فِي دِينِ اللَّهِ، الْعَالِمُ الْعَامِلُ بِأَمْرِ اللَّهِ.
فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَرِدُ بُحُورَكُمْ فَيَغُوصُ فِيهَا مَعَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ قَعْرَهَا فَقَدْ ظَنَّ عَجْزًا.
أَسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِي وَلَكَ خُذْ فِي غَيْرِهَا.

اسم الکتاب : الأخبار الموفقيات المؤلف : الزبير بن بكار    الجزء : 1  صفحة : 242
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست