responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأخبار الموفقيات المؤلف : الزبير بن بكار    الجزء : 1  صفحة : 181
قَالَ: يَا عَمْرُو إِنَّكَ خَلَفٌ فَلا تَخْلِفْ، إِنَّهُ قَدْ أَتَانِي مَا لا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أُخِرْتُ عَنْهُ، وَأُخِرْتَ أَنْتَ لَمَا أَرَاكَ سَتَتَمَنَّى الْمَوْتَ مَعَهُ، وَتَخَافُ الْهَلاكَ مِنْهُ، وَقَدْ وَقَعَتَ فِي بَحْرٍ عَمِيقٍ، شَدِيدِ الْوُصُولِ إِلَى السَّاحِلِ، وَالسَاحِلُ وَعْرٌ مَهُولٌ، وَمَنْ وَقَعَ بَيْنَ الْبَحْرِ وَالْوَعْرِ كَانَتْ رَاحَتُهُ أَنْ يَمُوتَ، وَهَذِهْ أَيَّامُ حَاجَتِكَ إِلَى نَفْسِكَ، وَحَاجَةُ حُرَمِكَ إِلَيْكَ، فَافْدِ حُرَمَكَ بِنَفْسِكَ، وَافْدِ نَفْسَكَ بِمَالِكَ، وَعِشْ حُرًّا عَنْ مِلْكِ الطَّمَعِ، وَإِنْ رَدَدْتَ الْجُوعَ بِالْمَاءِ.
قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا هَلَكَ أَبِي، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ مُنْتَشِرُ الضِّيَاعِ، فَكُنْتُ لا أَنْزِلُ فِي قَبِيلَةٍ مِنَ الْقَبَائِلِ إِلا شُهِرَ أَمْرِي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ عَزَمْتُ عَلَى لِقَاءِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ طَارِقٌ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ: فَوافَيْتُ عَمْرًا عَلَى بَابِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ يُرِيدُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ سَرَاوِيَلُ يُمْنَةٍ، وَطَيْلَسَانُ أَبْيَضُ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مُتَنَكِّرًا، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ مَا تَصَنْعُ الْحَدَاثةُ بِصَاحِبِهَا! أَهَذِهِ الثِّيَابُ مِنْ لِبَاسِ هَذَا الْيَوْمِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا طَارُقُ مَا تَرَكْتُ فِي مَنْزِلِي شَيْئًا إِلا وَهُوَ أَشْهَرُ مِمَا تَرَى.
قَالَ طَارِقٌ: فَأَخَذْتُ طَيْلَسَانِهِ وَأَعْطَيِتُهُ طَيْلَسَانِي وَشَمَّرْتُ سَرَاوِيلَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ كَعْبَهُ، ثُمَّ دَخَلَ وَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَنِي بِمَا جَرَى بَيْنَكُمَا.
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ لا يَعْرِفُنِي وَلا أَعْرِفُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْبَلاءَ لَفَظَنِي إِلَيْكَ وَفَضْلُكَ دَلَّنِي عَلَيْكَ، وَأَقَامَنِي رَجَاؤُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَإِمَّا أَنْ قَبِلْتَنِي غَانِمًا، وَإِمَّا رَدَدْتَنِي سَالِمًا.
قَالَ: ومَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.
قَالَ: اجْلِسْ، فَتَكَلَّمْ آمِنًا غَانِمًا، مَرْحَبًا بِكَ، فَمَا حَاجَتُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ الْحُرَمَ اللاتِي أَنْتَ أَحَقُّ بِهِنَّ مِنَّا، وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِنِّ، بَعْدَنا قَدْ خِفْنَ لِخَوْفِنَا، ومَنْ خَافَ خِيفَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَوَضَعَ وِسَادَتَهُ، وَمَا أَجَابَنِي إِلا بِدُمُوعِهِ عَلَى خَدَّيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: تُصَانُ وَاللَّهِ حُرَمُكَ، ويُحْقَنُ دَمُكَ، فَكُنْ آمِنًا كَمُسْتَخْفٍ، وَمُسْتَخْفِيًا كَآمِنٍ، فَلَوْ أَمْكَنَنِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ قَوْمِكَ فَعَلْتُ.
قَالَ طَارِقٌ: فَذَهَبْتُ لِأُلْقِيَ عَلَيْهِ طَيْلَسَانَهُ، وَآخُذَ طَيْلَسَانِي، فَقَالَ: مَهْ، إِنَّ ثِيَابَنَا إِذَا زَايَلَتْنَا لَمْ تَعُدْ إِلَيْنَا.
ثُمَّ كَتَبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ قَدْ وَفَدَ إِلَيَّ وَافِدٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَإِنَّا إِنَّمَا قَاتَلْنَاهُمْ عَلَى عُقُوقِهِمْ لا عَلَى أَرْحَامِهِمْ، ثُمَّ يَجْمَعُنَا وَإِيَّاهُمْ عَبْدُ مَنَافٍ، فَحَقُّ الرَّحِمِ أَنْ تُبَلَّ وَلا تُوبَسَ، وَتُوصَلَ وَلا تُقْطَعَ، فَإِنْ رأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أنْ يَهَبَهُمْ لِي مُمْتَنًّا، وَيَجْعَلَ ذَلِكَ كِتَابًا عَامًّا فِي بُلْدَانِ خِلافَتِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ شُكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ، عِنْدَنَا فَعَلَ.
قَالَ: فَأَجَابَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَى مَا سَأَلَ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ أَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ.

اسم الکتاب : الأخبار الموفقيات المؤلف : الزبير بن بكار    الجزء : 1  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست