مدرسة الفقاهة
مکتبة مدرسة الفقاهة
قسم التصویري
قسم الکتب لأهل السنة
قسم التصویري (لأهل السنة)
ويکي الفقه
ويکي السؤال
فارسی
دلیل المکتبة
بحث متقدم
مجموع المکاتب
الصفحة الرئیسیة
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
جميع المجموعات
المؤلفین
الحدیث
علوم الحديث
العلل والسؤالات
التراجم والطبقات
الأنساب
جميع المجموعات
المؤلفین
متون الحديث
الأجزاء الحديثية
مخطوطات حديثية
شروح الحديث
كتب التخريج والزوائد
جميع المجموعات
المؤلفین
مدرسة الفقاهة
مکتبة مدرسة الفقاهة
قسم التصویري
قسم الکتب لأهل السنة
قسم التصویري (لأهل السنة)
ويکي الفقه
ويکي السؤال
صيغة PDF
شهادة
الفهرست
««الصفحة الأولى
«الصفحة السابقة
الجزء :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
الصفحة التالیة»
الصفحة الأخيرة»»
««اول
«قبلی
الجزء :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
بعدی»
آخر»»
اسم الکتاب :
شعب الإيمان
المؤلف :
البيهقي، أبو بكر
الجزء :
1
صفحة :
364
وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" الْخَيْرُ وَالشَّرُّ خَلِيقَتَانِ تُنْصَبَانِ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " " وَرُوِّينَا فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ مَذْكُورَةٌ، مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا رَجَعَ إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ صَحَّ أَنْ يُحْدِثَ شَيْئًا فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يُحْدَثَ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُحْدَثَ بِأَنْ يَكُونَ مُحْدِثُهُ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ كَمَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَمَّا -[365]- صَحَّ أَنْ يُحْدِثَ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُحْدَثَ بِأَنْ يَصِحَّ مِنْهُ، إِحْدَاثُهُ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْدَثُ، وَالْمُحْدِثُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْدِثَ كَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَحَرَّكَ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَادِثَ الَّتِي هِيَ تَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ لَا يَقْصِدُهَا كَكَوْنِ الْكُفْرِ قَبِيحًا مِنَ الْكَافِرِ غَيْرَ وَاقِعْ، عَلَى قَصْدِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَقْصِدُ أَنْ يَقَعَ كُفْرُهُ حَسَنًا غَيْرَ قَبِيحٍ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا قَبِيحًا، فَدَلَّ أَنَّ قَاصِدًا قَصَدَ إِيقَاعَهُ قَبِيحًا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقَعَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ فَعَلَهُ، عَلَى مَا هُوَ بِهِ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ يَقَعُ مُتْعِبًا مُؤْلِمًا، وَلَوْ قَصَدَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَقَعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ ذَلِكَ دَلَّ على أَنَّهُ وَقَعَ كَذَلِكَ لِقَصْدِ مَوْقِعٍ أَوْقَعَهُ كَذَلِكَ غَيْرَ الَّذِي لَوْ جَهَدَ لِخِلَافِهِ أَنْ يَقَعَ لَمْ يَقَعْ، وَلِأَنَّا نَجِدُ الْإِنْسَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِحَقَائِقِ أَفْعَالِهِ كُلِّهَا، وَكَمِّيَّاتِهَا وَعَدَدِ أَجْزَائِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُختَرِعًا لَهَا وَهُوَ لَا يُحِيطُ بِهَا عِلْمًا إِذَا لَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَمْ يُنْكَرْ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْمُخْتَرَعِينَ كَذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حِكْمَةُ الْبَارِي فِي اخْتِرَاعِهِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِأَنَّ الْكَسْبَ هُوَ اخْتِرَاعُ عَالِمٍ بِحَقَائِقِهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ، جَعَلَهُ كَسْبًا لَنَا وَنَحْنُ مُكْتَسِبُونَ لَهُ غَيْرَ مُخْتَرِعِينَ لَهُ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ، أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ خَلَقَ الْإِسْرَارَ وَالْجَهْرَ اللَّذَيْنِ يُكْتَسَبَانِ بِالْقَلْبِ، وَأَنَّهُ عَلِيمٌ بِهِمَا وَكَيْفَ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ خَلَقَهُمَا، فَدَلَّ على أَنَّ الْخَلْقَ يَقْتَضِي عِلْمَ الْخَالِقِ بِالْخَلْقِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ أَنَّ كُلَّ مَقْدُورٍ فَاللهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَالْعِلْمِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَدِّرَ كُلَّ مَقْدُورٍ كَمَا يَعْلَمُ كُلَّ مَعْلُومٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِذَا وُجِدَ وَهُوَ مَقْدُورٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لَهُ، وأَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ كَمَا إِذَا وُجِدَ مَقْدُورُ الْإِنْسَانِ مُرَادًا لَهُ ألَمْ يَكُنْ فِعْلَهُ؟ -[366]- فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ اللهُ خَالِقًا لِكَسْبِ الْعِبَادِ أَفَتَقُولُونَ: إِنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ مِنْ فَاعِلَينَ؟ قِيلَ: لَا فَاعِلَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا هُوَ، وَالْإِنْسَانُ مُكْتَسِبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ غَيْرَ فَاعِلٍ وَلَا مُحْدِثٍ الْعَيْنَ عَنِ الْعَدَمِ " وَكَانَ الشَّيْخُ الإمام أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: " فِعْلُ الْقَادِرِ الْقَدِيمُ خَلْقٌ وَفِعْلُ الْقَادِرِ الْمُحْدَثِ كَسْبٌ فَتَعَالَى الْقَدِيمُ عَنِ الْكَسْبِ، وَجَلَّ وَصَغُرَ الْمُحَدَثُ عَنِ الْخَلْقِ وَذَلَّ " " فَإِنْ قِيلَ: أَفَتَقُولُونَ هُوَ مَقْدُورٌ لِقَادِرَيْنِ؟ قِيلَ: نَعَمْ أَحَدُهُمَا يِخَلْقِهِ وَيَخْتَرِعُهُ، وَيُخْرِجُهُ عَنِ الْعَدَمِ، وَهُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالثَّانِي يَكْتَسِبُهُ، وَلَا يَخْلُقُهُ وَهُوَ الْعَبْدُ، وَالْخَلْقُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ قُدْرَةٌ حَادِثَةٌ، فَالْقُدْرَةُ الْأَزَلِيَّةُ تُؤَثِّرُ فِي الِاخْتِرَاعِ، وَالْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ تُؤَثِّرُ فِي الِاكْتِسَابِ، فَإِنْ قَالُوا: فَإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى خَلَقَ أَعْمَالَهُ كُلَّهَا أَعْمَالًا لَهُ فَكَيْفَ يُثِيبَهُ وَيُعَاقِبُهُ، قِيلَ لَيْسَ الثَّوَابُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِتَفَضُّلٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعِقَابُ فَهُوَ لَوِ ابْتَلَاهُ فِي الْعَذَابِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ لِأَنَّهُ مُلْكُهُ وَفِي قَبْضَتِهِ، وَلَيْسَ الْكُفْرُ عِلَّةَ الْعِقَابِ، وَلَا الْإِيمَانُ عِلَّةَ الثَّوَابِ إِنَّمَا هُمَا أَمَارَتَانِ جُعِلَتَا عَلَمَيْنِ لَهُمَا. فَقِيلَ: إِنْ كُنْتَ كَافِرًا عُذِّبْتَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا عُوفِيتَ وَأُثِبْتَ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ خَلْقُهُ وَاخْتِرَاعُهُ لَا لِعِلَّةٍ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا عَاقَبَهُ مَا خَلَقَهُ لَهُ كَانَ ظَالِمًا لَهُ، قِيلَ: لِمَ قُلْتَ ذَلِكَ؟ وَمَا يُنْكِرُ أَنَّ حَقِيقَةَ الظُّلْمِ هُوَ تَعَدِّي الْحَدِّ، وَالرَّسْمِ الَّذِي يَرْسِمُهُ الْآمِرُ الَّذِي لَا آمِرَ فَوْقَهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلظُّلْمِ مِنْهُ مَعْنًى إِذْ أَفْعَالُهُ كُلُّهَا تَقَعُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّعَدِّي، وَالتَّحَكُّمِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَلَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الظَّالِمِ، وَلَوْ سَاغَ مَا قُلْتَهُ لَمْ -[367]- يَنْفَصِلْ مِمَّنْ قَالَ: إِذَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْكُفْرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْكُفْرِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُعَاقِبَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ ظَالِمًا لَهُ حِينَئِذٍ، وَمَا الْفَصْلُ؟ وَكَذَلِكَ إِذَا خَلَقَ لَهُ الْآلَاتِ، وَالْحَيَاةَ وَالْقُدْرَةَ، وَالشَّهْوَةَ لِلْمَعَاصِي، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ بِهَا إِلَّا كُفْرًا بِهِ، عَرَّضَهُ لِلْهَلَاكِ، وَالْعَطَبِ فَيَكُونُ لَهُ ظَالِمًا، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي إِيلَامِ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ، وَالْبَهَائِمِ ظَالِمًا، وَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ الْعِوَضِ فِيهِ، فَإِنَّ الْعِوَضَ لَا يَحْسُن بِهِ الْقَبِيحُ فِي الشَّاهِدِ إِلَّا بِمَرْضَاةٍ، فَإِذَا كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إِلَى الظُّلْمِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ فِيمَا يَفْعَلُهُ فِي مُلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدِّ، ذَلِكَ مَا قُلْنَا لَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قِيلَ: مَنْ خَلَقَ الْكُفْرَ كَانَ كَافِرًا وَمَنَ خَلَقَ الظُّلْمَ كَانَ ظَالِمًا. قِيلَ لَهُ: مَا يُنْكَرُ عَلَى مَنْ يَقُولُ: مَنْ خَلَقَ النَّوْمَ كَانَ نَائِمًا، وَمَنْ خَلَقَ الْخَوْفَ كَانَ خَائِفًا، وَمَنْ خَلَقَ الْمَرَضَ كَانَ مَرِيضًا، وَمَنْ خَلَقَ الْمَوْتَ كَانَ مَيِّتًا، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ من هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَلْزَمْ فِي الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ. فَإِنْ قِيلَ: أَفَتَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ يَشَاءُ الْكُفْرَ وَالظُّلْمَ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ يَشَاءُ الْكُفْرَ نَفْيَ الْغَلَبَة، وَالْعَجْزِ، وَالْإِكْرَاهِ عَلَى مَا يَشَاءُ فَنَعَمْ يَشَاءُ أَنْ يَكُونَ مَا يُرِيدُ، وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، لِمَا لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِأَنَّهُ يَكُونُ مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ خِلَافَ مَا عَلِمَ، وَالْكُفْرُ مِمَّا لَمْ يَزَلْ كَانَ عَالِمًا بِهِ، أَنَّهُ يَكُونُ مَوْجُودًا أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: {يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} [آل عمران: 176]، وَفِيهِ جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ شَاءَ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ مِنَ الْكَافِرِ خِلَافَ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ سَأَلَا إِضْلَالَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَالشَّدَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس: 89] فَشَاءَ إِضْلَالَهُمْ وَالسَّدَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا لَمَّا أَجَابَ دَعْوَتَهُمَا، وَفِيهِ جَوَابٌ آخَرُ يَشَاءُ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ قَبِيحًا ضَلَالًا عَمًى خَسَارًا لَا نُورًا وَهَدًى وَحَقًّا وَبَيَانًا، وَإِنْ أَرَدْتَ تَقُولُ: يَشَاءُ الْكُفْرَ أَيْ يَأْمُرُ بِهِ، فتَقُولُ ذَلِكَ، -[368]- فَإِنْ قِيلَ: الْحَكِيمُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُشْتَمَ وَيُذْكَرَ بِسُوءٍ قِيلَ الْحَكِيمُ مَنْ يَجْرِي الشَّتْمُ عَلَى لِسَانِ النَّائِمِ، وَالْمُبَرْسِمُ وَلَا فِعْلَ لَهُمَا، الْحَكِيمُ مَنْ يَخْلُقُ عَبْدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يَشْتُمْهُ وَيَجْحُدُهُ، ثُمَّ يُحْدِثُ لَهُ كُلَ سَاعَةٍ قُوَّةً جَدِيدَةً وَقِيلَ: مَنْ كَانَ الشَّتْمُ يُنْقِصُهُ فَلَيْسَ بحكيمٍ، وَمَنْ لَمْ يُنْقِصْهُ فَحَكِيمٌ لِأَنَّهُ يَشَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ شَتْمُ الشَّاتِمِ لَهُ بخِلَافَ مَدْحِ الْمَادِحِ لَهُ فَحَكِيمٌ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ شَتْمُ الشَّاتِمِ، لَهُ مَعْصِيَةً مِنَ الْكَافِرِ، لَا طَاعَةً فَحَكِيمٌ، لِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ الشَّيْءَ عَلَى مَا لَا يَكُونُ خِلَافُهُ فَحَكِيمٌ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الشَّتْمُ مَوْجُودًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ بِهِ عَالِمًا أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ مَوْجُودًا فَحَكِيمٌ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّيْءَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَكُونُ فِيهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَكُونَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا مَكْرُهًا & عَلَى كَوْنِ مَا لَا يُرِيدُ فَحَكِيمٌ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَطُولُ، فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقُولُونَ فِي اسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ؟ قِيلَ: نَقُولُ هِيَ قُدْرَتُهُ وَهِيَ مَعَ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَهِيَ توفيقٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِلطَّاعَةِ، وَخِذْلَانٌ مِنْهُ فِي الْمَعْصِيَةِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء: 48] وَقَدْ كَانُوا لِسَبِيلِ الْبَاطِلِ مُسْتَطِيعِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَفَى عَنْهُمُ اسْتِطَاعَةَ الْحَقِّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فَاعِلِينَ لَهُ وَقَالَ: مُخْبِرًا عَنْ صَاحِبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 67] فَنَفَى عَنْهُ اسْتِطَاعَةَ الصَّبْرِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ الصَّبْرَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " فَدَلَّ أَنَّهُ فِي حَالِ كَسْبِهِ مُيَسَّرٌ، وَتَيْسِيرُهُ قُدْرَتُهُ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْخَيْرَ، إِلَّا بِاللهِ وَهُوَ قَبْلَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِخَيْرٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْتِطَاعَتَهُمْ تَكُونُ مَعَهُ، وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ سَبَبٌ لِلْفِعْلِ يُوجَدُ بِوُجوُدِهَا، وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهَا فَجَرَتْ مَعَ الْكَسْبِ مَجْرَى الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ، وَلَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فَلَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الِاسْتِطَاعَةِ عَلَى الْكَسْبِ "
اسم الکتاب :
شعب الإيمان
المؤلف :
البيهقي، أبو بكر
الجزء :
1
صفحة :
364
««الصفحة الأولى
«الصفحة السابقة
الجزء :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
الصفحة التالیة»
الصفحة الأخيرة»»
««اول
«قبلی
الجزء :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
بعدی»
آخر»»
صيغة PDF
شهادة
الفهرست
إن مکتبة
مدرسة الفقاهة
هي مكتبة مجانية لتوثيق المقالات
www.eShia.ir