responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 46
§حَدِيثٌ آخَرُ

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي قَالَ: ح أَبُو سَعِيدٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ: ح الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: ح مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا §أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَأَمَّا قَوْمٌ يُرِيدُ اللَّهُ بِهِمُ الرَّحْمَةَ، فَإِذَا أُلْقُوا فِيهَا أَمَاتَهُمْ، حَتَّى يَأْذَنَ بِإِخْرَاجِهِمْ، فَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمَاتَهُمْ عِبَارَةً عَنْ تَغْيِيبِهِ إِيَّاهُمْ عَنْ آلَامِهَا فِيهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَوْتًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ النَّوْمَ قَدْ يُغَيِّبُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْآلَامِ وَالْمَلَاذِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفَاةً، فَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] ، فَهِيَ وَفَاةٌ وَلَيْسَ بِمَوْتٍ فِي الْحَقِيقَةِ الَّذِي هُوَ خُرُوجُ الرُّوحِ عَنِ الْبَدَنِ، وَكَذَلِكَ الصَّعْقَةُ قَدْ عَبَّرَ اللَّهُ عَنِ الْمَوْتِ بِهَا، فَقَالَ: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} : وَأَخْبَرَ عَنْ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَنَّهُ خَرَّ صَعِقًا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْتًا عَلَى الْحَقِيقَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا غَيَّبَ عَنْ أَحْوَالِ الشَّاهِدِ، وَعَنِ الْمَلَاذِ، وَالْآلَامِ جَازَ أَنْ يُسَمَّى مَوْتًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَمَاتَهُمْ أَيْ: غَيَّبَهُمْ عَنِ الْآلَامِ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ بِلَطِيفَةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِيهِمْ، كَمَا غَيَّبَ النِّسْوَةَ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِشَاهِدٍ ظَهَرَ لَهُنَّ، فَغِبْنَ فِيهِ عَنْ آلَامِهِنَّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَوْتًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّهُ يُمِيتُهُمْ فِيهَا بِخُرُوجِ أَرْوَاحِهِمْ، فَيَكُونُوا أَمْوَاتًا عَلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ قَوْلِهِ: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 74] : لِأَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَحْيَاءٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَيْسُوا بِأَمْوَاتٍ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا لَمْ يُوصَفْ بِالْحَيَاةِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالْمَوْتِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا فِيهَا مَوْتَى، فَهُمْ أَحْيَاءٌ. فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا أَحْيَاءً مَعَ قَوْلِهِ: {لَا يَحْيَى} [طه: 74] جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَحِّدُونَ فِيهَا أَمْوَاتًا مَعَ قَوْلِهِ: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 74] : وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 74] أَيْ: لَا يَمُوتُ فَيَسْتَرِيحُ، وَلَا يَحْيَى فَيَنْتَفِعُ بِحَيَاتِهِ -[47]-. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى إِدْخَالِهِمُ النَّارَ، وَهُمْ فِيهَا غَيْرُ مُتَأَلِّمِينَ؟ قِيلَ: أَنْ يُدْخِلَهُمُ النَّارَ تَأْدِيبًا لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُعَذِّبَهُمْ فِيهَا، وَيَكُونُ صَرَفَ نِعَمَ الْجَنَّةِ عَنْهُمْ مُدَّةَ كَوْنِهِمْ فِيهَا عُقُوبَةً لَهُمْ كَالْمَحْبُوسِينَ فِي السُّجُونِ، فَإِنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَلٌّ، وَلَا قَيْدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا مُتَأَلِّمِينَ غَيْرَ أَنَّ آلَامَهُمْ تَكُونُ أَخَفَّ مِنْ آلَامِ الْمُغَيَّبِينَ، وَهُمْ مَوْتَى أَخَفُّ مِنْ عَذَابِهِمْ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ آلِ فِرْعَوْنَ: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] ، فَأَخْبَرَ أَنَّ عَذَابَهُمْ إِذَا بُعِثُوا يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ عَذَابِهِمْ، وَهُمْ مَوْتَى، وَهُمْ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ مُعَذَّبُونَ، فَكَذَلِكَ الْمُوَحِّدُونَ يُمِيتُهُمْ فِي النَّارِ، وَيَكُونُونَ مُعَذَّبِينَ مُتَأَلِّمِينَ، وَهُمْ مَوْتَى، وَيَكُونُ عَذَابُهُمْ، وَآلَامُهُمْ أَخَفَّ مِنْ عَذَابِ الْكُفَّارِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 74] فِي صِفَةِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 12] ، وَالْأَشْقَى: هُوَ الَّذِي بَلَغَتْ شَقَاوَتُهُ نِهَايَتَهَا، وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْعَدُ أَبَدًا، وَهُوَ الَّذِي يُخَلَّدُ فِيهَا، فَأَمَّا الْمُوَحِّدُ وَإِنْ شَقِيَ بِدُخُولِهِ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَسْعَدُ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا، فَهُوَ وَإِنْ شَقِيَ، فَلَيْسَ بِالْأَشْقَى، وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 74] فِي الْكُفَّارِ خَرَجَ الْمُوَحِّدُونَ مِنْهَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَمُوتُوا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ خِلَافًا لِلْآيَةِ. وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا لَيْسُوا بِصِفَةِ الْأَحْيَاءِ، وَلَا الْمَوْتَى لَمْ يَبْعُدْ، فَإِنَّ الْجَمَادَ لَا يُوصَفُ بِالْحَيَاةِ، وَلَا بِالْمَوْتِ، وَهُمْ وَإِنَّ لَمْ يَكُونُوا بِأَحْيَاءَ، وَلَا مَوْتَى بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمُ الْآلَامَ الشَّدِيدَةَ، وَيَكُونُونَ مُعَذَّبِينَ أَبَدَ الْأَبَدِ بِأَشَدِّ الْعَذَابِ، وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَمَادِ الْأَلَمَ، وَهُوَ الْجِذْعُ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ لَمَّا اتَّخَذَ لَهُ الْمِنْبَرَ مِنْ حَنِينِ النَّاقَةِ، حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَضَنَهُ، فَسَكَنَ، وَإِنَّمَا حَنَّ حُزْنًا عَلَى مُفَارَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحُزْنُ أَلَمٌ. وَخَلَقَ اللَّهُ الْكَلَامَ فِي الْجَمَادِ، بِقَوْلِهِ: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] فَإِذَا جَازَ هَذَا فِيمَا لَا يُوصَفُ بِالْمَوْتِ، وَلَا بِالْحَيَاةِ، جَازَ أَنْ يَخْلُقَ فِي أَهْلِ النَّارِ الَّذِينَ هُمُ الْكُفَّارُ الْآلَامَ، وَالْعَذَابَ أَبَدَ الْأَبَدِ، وَلَيْسُوا بِأَحْيَاءَ، وَلَا مَوْتَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 46
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست