responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 379
كَمَا فَعَلَ بِإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ §جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَبَكَى إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ مَلَكُ الْمَوْتِ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ الْعِنَبَ وَمَاءُ الْعِنَبِ يَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ كَمْ أَتَى لَكَ؟ فَذَكَرَ مِثْلَ سِنِّ إِبْرَاهِيمَ، فَاشْتَهَى إِبْرَاهِيمُ الْمَوْتَ فَقَبَضَ رُوحَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ كَعْبٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ. فَهَذِهِ لَطِيفَةٌ أَحْدَثَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِخَلِيلِهِ فِي إِزَالَةِ كَرَاهَةِ الْمَوْتِ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهَا نَظَائِرَ قَبْلُ. وَقَوْلُهُ: «وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ» ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمُؤْمِنَ، وَخَلَقَ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ لَهُ، فَقَالَ {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] ، فَأَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُحِلَّ الْمُؤْمِنَ فِي جِوَارِهِ، وَيُنْزِلَهُ دَارَ كَرَامَتِهِ، وَيَهَبَ لَهُ مِنْ مُلْكِهِ، وَيَجْعَلَهُ بَاقِيًا بِبَقَائِهِ مَلِكًا لَا يَفْنَى مُلْكُهُ، حَيًّا لَا يَمُوتُ أَبَدًا لَا يَزُولُ، يُحِلُّ عَلَيْهِ كَرَامَتَهُ، وَيُلَذِّذُهُ بِرُؤْيَتِهِ، وَيُكْرِمُهُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَحَكَمَ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ , وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيْهِ , وَلَا يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَيْهِ , فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ الْمَوْتِ لِيَصِلَ إِلَى هَذِهِ الْكَرَامَةِ الْجَلِيلَةِ، وَالرُّتْبَةِ السَّنِيَّةِ، وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ كَرِهَ اللَّهُ مَسَاءَتَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَزَالَهَا عَنْهُ بِلَطَائِفَ يُحْدِثُهَا لَهُ وَفِيهِ، سُبْحَانَ اللَّطِيفِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَوْلُهُ: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِمِثْلِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» ، لَيْسَ مِنْ قَدْرِ الْعَبْدِ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ، وَسِمَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ، وَنَقْصُ الْحَدَثِ فِيهِ بَيِّنٌ، وَحَقَارَةُ الْبِنْيَةِ لَهُ لَازِمَةٌ، فَبِأَيِّ صِفَةٍ يَتَقَرَّبُ إِلَى مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، كَيْفَ يَتَوَصَّلُ إِلَى غَنِيٍّ مُحْتَاجٌ , وَمَلِكٍ لَا يُطَاقُ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَيْهِ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَإِنَّمَا يُقَرِّبُهُ اللَّهُ مِنْهُ، يَتَقَرَّبُ بِلُطْفِهِ إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهَا عَلَامَتَهُ لِمَنْ لَهُ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ تَقَرُّبٌ إِلَيْهِ، فَمَنْ أَقَامَ أَوَامِرَهُ، وَأَدَّى فَرَائِضَهُ فَهُوَ الَّذِي قَرَّبَهُ اللَّهُ مِنْهُ، فَصَارَ أَدَاءُ فَرَائِضِهِ تَقَرُّبًا مِنْهُ، وَإِقَامَةُ أَوَامِرِهِ تَوَسُّلًا إِلَيْهِ، وَأُخْرَى أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ تَوَقَّى فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَتَدَنَّسَ بِالْخَطَايَا، وَيَتَلَطَّخَ بِالْمَعَاصِي، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُدُّوسٌ طَاهِرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ الْقُدُّوسَ الْأَعْلَى لَا يَقْرَبُهُ إِلَّا قِدِّيسٌ طَاهِرٌ» ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَدَاءِ مَا

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 379
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست