responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 366
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ الْفَتْحِ، قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: ح زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ قَالَ: ح عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: ح قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ح ابْنُ نَجْدَةَ قَالَ: ح الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ح مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي صِرْمَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ أَوْ يَخْلُقُ قَوْمًا يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» كَأَنَّهُ يَقُولُ: خَيْرُ بَنِي آدَمَ التَّوَّابُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُبَرَاءِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَفِيهِ شُمُوخٌ وَعُلُوٌّ وَتَرَفُّعٌ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى نَفْسِهِ أَبَدًا، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ لِنَفْسِهِ، وَخَلَقَ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ لَهُ فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَظَرَهُ إِلَى رَبِّهِ، وَإِعْرَاضَهُ عَمَّا سِوَاهُ لِذَلِكَ سَخَّرَ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ لِيَرْجِعَ عَنْ مَصَالِحِ نَفْسِهِ، وَالشُّغْلِ بِهَا إِلَى رَبِّهِ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَالْخَدْمَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ بِمَصَالِحِهِ قَوْمًا هُمْ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْهُ، وَأَهْدَى لِمَصَالِحِهِ، وَأَعْلَمُ لِمَرَافِقِهِ مِنَ الْعَبْدِ، وَجَعَلَ لَهُ حَظَّهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ مُعَقِّبَاتٍ فَكَفَاهُ رَبُّهُ كُلَّ مُؤْنَةٍ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَاوِيَّةٍ، بَعَثَ رُسُلًا، وَأَنْزَلَ كُتُبًا، وَأَقَامَ شَرِيعَةً، وَنَصَبَ لَهُ دُعَاةً، وَجَعَلَ لَهُ شُفَعَاءَ مِنْ حَمَلَةِ عَرْشِهِ، وَكِرَامِ مَلَائِكَتِهِ، لِيَتَفَرَّغَ الْعَبْدُ لِرَبِّهِ تَعَالَى إِقْبَالًا عَلَيْهِ، وَنَظَرًا إِلَيْهِ، وَعَلِمَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ يَنْظُرُ إِلَى نَفْسِهِ، وَيُقْبِلُ عَلَيْهَا إِعْجَابًا بِهَا، وَعُكُوفًا عَلَيْهَا فَكَتَبَ عَلَيْهِ مَا يَصْرِفُهُ إِلَيْهِ، وَقَدَّرَ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ بِهِ، إِذَا شُغِلَ عَنْهُ وَصُرِفَ مِنْهُ مِنْ شَرٍّ يَعْمَلُهُ، وَسُوءٍ يَأْتِيهِ، وَمَعْصِيَةٍ يَرْتَكِبُهَا، وَكَبِيرَهٍ يُوَاقِعُهَا، وَصَغِيرَةٍ لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا. يُنَبِّهُهُ لِنَظَرِهِ إِلَيْهِ، وَيَبْعَثُهُ عَلَى إِقْبَالِهِ عَلَيْهِ: فَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] ، وَقَالَ تَعَالَى {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا -[367]- الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] ، وَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: 54] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ يَجِدُهَا بِأَرْضٍ فَلَاةٍ» ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ» ، وَقَالَ: «السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ» . أَخْبَرَ أَنَّ الشَّرَّ الَّذِي يَعْمَلُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، وَفِي حَالَيْنِ سِرًّا وَجَهْرًا، فَالسِّرُّ أَفْعَالُ الْقُلُوبِ وَالْعَلَانِيَةُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ، كَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا عَمِلْتَ شَرًّا بِسِرِّكَ فَأَحْدِثْ تَوْبَةً بِسِرِّكَ، وَإِذَا عَمِلْتَ شَرًّا بِجَوَارِحِكَ فَأَحْدِثْ تَوْبَةً بِجَوَارِحِكَ، فَأَفْعَالُ السِّرِّ مِنَ الذُّنُوبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ طَمَعٌ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَمَخَافَةٌ مِنْهُ وَرَجَاءٌ إِلَيْهِ وَمُعَادَاةُ أَوْلِيَائِهِ، وَمُوَالَاةُ أَعْدَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] . وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ حَسَدٌ لِمُؤْمِنٍ، وَتُهْمَةٌ لِبَرِيءٍ، وَبَغْيٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَحِقْدٌ يُضْمِرُهُ، وَسُوءٌ يُرِيدُهُ بِهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْدِثَ تَوْبَةً مِنْهَا بِسِرِّهِ بِاكْتِسَابِ مَا يُزِيلُهَا وَيُثَبِّتُ أَضْدَادَهَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَزْوٍ وَأَمْثَالِهَا لَا يُجْدِي عَلَيْهِ كَثِيرُ نَفْعٍ مِنْهَا مَعَ فَسَادِ السِّرِّ وَنَجَاسَةِ الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَكَادُ يُطَهِّرُهَا بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَكَمُ لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
[البحر البسيط]
إِنَّ الْجَرَائِمَ أَقْفَلَتْ بَابَ الْهُدَى ... فَالْعِلْمُ لَيْسَ بِفَاتِحٍ أَقْفَالِهَا
إِنَّ الْقُلُوبَ تَنَجَّسَتْ بِبَطَالَةٍ ... فَالسَّعْيُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ أَفْعَالَهَا
وَذُنُوبُ الْعَلَانِيَةِ فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ وَالْعَبْدِ تَرْكُ مَا أَمَرَ بِهِ، وَارْتِكَابُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ تَضْيِيعِ فَرْضٍ وَإِضَاعَةِ حَقٍّ، وَمُجَاوَزَةِ حَدٍّ، وَقُصُورٍ عَنْهُ. وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى: الْمَظَالِمُ وَالْجِنَايَاتُ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَتَوْبَةُ الْعَبْدِ مِنْهَا عَلَانِيَةٌ مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ وَالِاسْتِحْلَالِ مِنْ أَرْبَابِهَا، وَالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ مَحَالَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَقَضَاءِ مَا فَاتَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ وَإِخْرَاجِ مَا حَصَّلَ مِنْ مَالٍ، أَوْ مَتَاعٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} -[368]-. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ» ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ نَدَمُهُ بِسِرِّهِ عَلَى مَا مَضَى مَعَ إِقَامَتِهِ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْوَقْتِ، وَتَوْبَتُهُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَظَالِمِ بِسِرِّهِ مَعَ تَمَسُّكِهِ بِمَا فِي يَدَيْهِ. رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: " إِذَا قَالَ الْمُلَبِّي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَعِنْدَهُ مَالٌ حَرَامٌ قِيلَ لَهُ: لَا لَبَّيْكَ، وَلَا سَعْدَيْكَ حَتَّى تَرُدَّ مَا فِي يَدَيْكَ" لِذَلِكَ قَالَ السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 366
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست