responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 294
§حَدِيثٌ آخَرُ

ح أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مَاجِدِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ قَالَ: ح أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْمِصْرِيُّ قَالَ: ح أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ، عَنِ الْفَضْلِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ مِنْ فَوْقِهِمْ فَإِذَا الرَّبُّ جَلَّ وَعَزَّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: §السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ" وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِ نَسَوْا نَعِيمَ الْجَنَّةِ حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ، فَإِذَا احْتَجَبَ عَنْهُمْ بَقَى نُورُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ وَفِي دِيَارِهِمْ" قَالَ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْإِشْرَافُ صِفَةُ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ رَفِيعٍ أَوْ حَالٍ رَفِيعَةٍ، يُقَالُ: فُلَانٌ مُشْرِفٌ عَلَى أَحْوَالِكَ، أَيْ عَرَفَهَا وَأَبْصَرَهَا مِنْ جِهَةِ الرِّفْعَةِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ مُشْرِفٌ عَلَيْكَ، أَيْ: مُطَّلِعٌ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُوصَفُ بِالْمَكَانِ مِنْ جِهَةِ الْحُلُولِ وَالتَّمَكُّنِ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِشْرَافِ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْإِشْرَافِ تَحْدِيدٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ نَظَرًا يُرِيهِمْ وَجْهَهُ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ، عَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِشْرَافِ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْإِشْرَافِ تَحْدِيدٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ جِهَةِ الْحُلُولِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَائِلٌ مُتَكَلِّمٌ، وَالْكَلَامُ صِفَةٌ فِي ذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ فَهُوَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ سَلَامًا فَهُوَ قَوْلٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ {سَلَّامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] ، وَأَكَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْآيَةَ الْمُنَزَّلَةَ عَلَيْهِ تِلَاوَةً لِيُزِيلَ الشُّبْهَةَ فِي السَّلَامِ مِنْهُ وَأَنَّهُ قَوْلٌ يَقُولُهُ وَكَلَامٌ يُكَلِّمُهُمْ بِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ جَلَّ وَعَزَّ. وَقَوْلُهُ: «فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِ نَسَوْا نَعِيمَ الْجَنَّةِ» أَيْ شُغِلُوا عَنْهَا وَحُجِبُوا مِنْهَا بِلَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا دُونَ اللَّهِ لَا يُقَاوَمُ تَجَلِّيَهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى يُثَبِّتُهُمْ وَيُقَوِّيهِمْ وَيُبْقِيهِمْ، وَإِلَّا حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْجَبَلِ حِينَ تَجَلَّى لَهُ، وَلَكِنَّهُ قَوِيٌّ قَادِرٌ -[295]- قَاهِرٌ لَا يَؤُودُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهُوَ تَعَالَى يُبْقِيهِمْ، وَيُثَبِّتُهُمْ وَيُقَوِّيهِمْ لِلنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَتَسْتَوْلِي لَذَّةُ النَّظَرِ عَلَيْهِمْ، فَيُنْسِيهِمْ كُلَّ نَعِيمٍ كَانُوا فِيهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لِذَلِكَ مُنْتَظِرِينَ، وَإِلَى ذَلِكَ مُتَطَلِّعِينَ، وَإِلَيْهِ كَانُوا مُشْتَاقِينَ، وَلِلْجَنَّةِ لِأَجْلِهِ طَالِبِينَ؛ لِأَنَّهُمْ بِذَلِكَ كَانُوا مُبَشَّرِينَ، وَلِذَلِكَ كَانُوا مَوْعُودِينَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف: 71] ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بُغْيَتَهُمْ وَكَانَتْ تِلْكَ طِلْبَتَهُمْ وَذَلِكَ كَانَ فِي الْجَنَّةِ مُرَادَهُمْ فَإِذَا أُعْطُوا ذَلِكَ لَهَوْا عَمَّا سِوَاهُ مُعْرِضِينَ وَنَسَوْا ذَلِكَ كُلَّهُ أَجْمَعِينَ، وَشُغِلُوا بِمَا تَلَذُّ أَعْيُنُهُمْ، مِمَّا تَشْتَهِي نُفُوسُهُمْ مَحْجُوبِينَ، فَلَا صِفَةَ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ نَاظِرُونَ وَلَهُ شَاهِدُونَ، وَلِكَلَامِهِ سَامِعُونَ وَلَدَيْهِ مُقَرَّبُونَ، سُبْحَانَ مَنْ تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُنْتَخَبِينَ بِمَا لَمْ يَكُنْ يَبْلُغُهُ هِمَمُهُمْ، وَلَا تَصِلُ إِلَيْهِ أَوْهَامُهُمْ، فَأَكْرَمَهُمْ بِمَا لَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ وَلَا يُدْرِكُهُ الْعُقُولُ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً إِنَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ إِلَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ الَّذِي نَسَوْهُ إِلَى حُظُوظِ أَنْفُسِهِمْ وَشَهَوَاتِهَا الَّتِي سَهَوْا عَنْهَا فَانْتَفَعُوا بنَعِيمِ الْجَنَّةِ الَّذِي وُعِدُوهُ، وَتَنَعَّمُوا بِشَهَوَاتِ النُّفُوسِ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى الِاحْتِجَابِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَحْجُبُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ بِرَدِّهِ إِيَّاهُمْ إِلَى نَعِيمِ الْأَبْدَانِ وَشَهْوَةِ النُّفُوسِ. وَلَيْسَ مَعْنَى يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ أَنْ يَكُونُوا لَهُ نَاسِينَ وَعَنْ شُهُودِهِ مَحْجُوبِينَ، وَإِلَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ سَاكِنِينَ، وَكَيْفَ يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ وَهُمْ بِنَعْتِ الْمَزِيدِ، وَدَارِ الْكَرَامَةِ، وَمَحَلِّ الْقُرْبِ، وَالْحُجْبَةُ بَعْدَ الشُّهُودِ سَلْبُ النَّعِيمِ، وَهُوَ تَعَالَى لَا يَسْلُبُهُمْ نَعِيمًا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَرُدُّهُمْ إِلَى مَا نَسَوْهُ، وَلَا يَحْجُبُهُمْ عَمَّا شَاهَدُوهُ حُجْبَةَ عَيْنِيَّةٍ وَاسْتِتَارٍ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَقَى نُورُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ وَفِي دِيَارِهِمْ» وَالنَّظَرُ إِذَا صَحَّ، وَالْحَجَبَةُ إِذَا ارْتَفَعَتْ، وَالْوَصْلَةُ إِذَا تَمَّتْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ نَظَرِ الْمُبْصِرِ وَشُهُودِ السِّرِّ فَرْقٌ، وَلَا كَانَ فِي حَالِ الشُّهُودِ وَالْغَيْبَةِ بَوْنٌ، بَلْ يَتَّفِقُ الْأَوْقَاتُ الْأَوْقَاتَ، وَيَتَسَاوَى الْأَحْوَالُ فَيَكُونُ فِي كُلِّ حَالٍ شَاهِدًا، وَبِكُلِّ جَارِحَةٍ نَاظِرًا، وَلَا يَكُونُ فِي حَالٍ مَحْجُوبًا وَلَا بِالْغَيْبَةِ مَوْصُوفًا -[296]-. حُكِيَ عَنْ قَيْسٍ الْمَجْنُونِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: نَدْعُو لَكَ لَيْلَى؟ فَقَالَ: وَهَلْ غَابَتْ عَنِّي فَتُدْعَى. فَقِيلَ لَهُ: أَتُحِبُّ لَيْلَى؟ فَقَالَ: الْمَحَبَّةُ ذَرِيعَةُ الْوَصْلَةِ، وَقَدْ وَقَعَتِ الْوَصْلَةُ فَأَنَا لَيْلَى، وَلَيْلَى أَنَا. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ:
[البحر البسيط]
شَغَلْتُ قَلْبِي بِمَا لَدَيْكَ فَمَا ... تَنْفَكَّ طُولَ الْحَيَاةِ مِنْ فِكْرِي
وَحَيْثُ مَا كُنْتَ يَا مَدَى هِمَمِي ... فَأَنْتَ مِنِّي بِمَوْضِعِ النَّظَرِ
وَأَنْشَدُوا لِبَعْضِ الْكِبَارِ:
[البحر الطويل]
جَحَدْتُ الْهَوَى إِنْ كُنْتَ مُذْ جُعِلَ الْهَوَى ... عُيُونُكَ لِي عَيْنًا تَغُضُّ وَتُبْصِرُ
نَظَرْتُ إِلَى سِوَاكَ وَإِنَّمَا أَرَى ... غَيْرَكُمْ أَحْلَامَ نَوْمٍ تَقْدِرُ
أَقِيسُ سِرِّي عَنْ سِوَاكَ فَلَا أَرَى ... سِوَاكَ وَإِنِّي أَنْتَ وَلَكِنَّهُ أَكْبَرُ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْبِسْطَامِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِبَادًا لَوْ حَجَبَهُمْ فِي الْجَنَّةِ سَاعَةً عَنِ الرُّؤْيَةِ لَاسْتَغَاثُوا مِنَ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا كَمَا يَسْتَغِيثُ أَهْلُ النَّارِ مِنَ النَّارِ وَعَذَابِهَا

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 294
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست