responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 264
وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ح نَصْرُ بْنُ زَكَرِيَّا، ح عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، ح مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ح مُوسَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§دُونَ اللَّهِ سَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ وَظُلْمَةٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ تَسْمَعُ شَيْئًا مِنْ حُسْنِ تِلْكَ الْحُجُبِ إِلَّا زَهَقَتْ نَفْسُهَا» فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَقَاءَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَقِيَامَهَا بِأَوْصَافِهَا وَثُبُوتَهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بِحُجْبَتِهَا عَنْ عَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ، وَقَهْرِ رُبُوبِيَّتِهِ، فَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالْمَلَائِكَةُ وَأَفَاضِلُ الْأَوْلِيَاءِ فِي كَنَفِ لُطْفِ اللَّهِ فِيهِ بَقَاؤُهُمْ، وَالشَّيَاطِينُ -[265]- بِحِجَابِ اللَّعْنَةِ وَالطَّرْدِ وَالْإِقْصَاءِ، وَالْعَبْدُ وَسَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَتْرِ الرَّحْمَةِ، وَالْأَعْدَاءُ فِي حِجَابِ الظُّلْمَةِ، وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ فِي حِجَابِ الْغَفْلَةِ، وَالتَّجَلِّي كَشْفُ الْحِجَابِ وَإِظْهَارُ الْقُدْرَةِ، وَإِبْدَاءُ الْهَيْبَةِ وَالْجَلَالِ، فَإِذَا كَشَفَ اللَّهُ الْحِجَابَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ زَالَ ذَلِكَ الشَيْءُ وَذَهَبَ وَتَلَاشَى، وَمِنْهَا تَتَغَيَّرُ عَنْ أَوْصَافِهَا، وَتَزُولُ عَنْ بِنْيَتِهَا عَلَى قَدْرِ الْكُشُوفِ، وَظُهُورِ أَوْصَافِ الْجَلَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] ، اسْتَحَالَ عَنْ صِفَتِهِ، وَتَغَيَّرَ عَنْ بِنْيَتِهِ، فَصَارَ تُرَابًا هَبَاءً بَعْدَ أَنْ كَانَ شَامِخًا حَجَرًا صَلْبًا، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ» . وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ دُرَّةً، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَذَابَتْ فَصَارَتْ مَاءً يَجْرِي لَا قَرَارَ لَهُ، وَلَا سُكُونَ مِنْ هَيْبَةِ اللَّهِ» . فَإِذَا أَبْدَى اللَّهُ مِنْ سُلْطَانِهِ مَا شَاءَ، وَمِنْ صِفَاتِ قَهْرِهِ وَجَلَالِهِ مَا أَرَادَ تَلَاشَتِ الْأَشْيَاءُ وَاضْمَحَلَّتْ وَفَنِيَتْ، فَتَصِيرُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ، وَالْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا، وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَتَنَاثَرَتِ النُّجُومُ، وَتَفَطَّرَتِ السَّمَاوَاتُ، وَحَالَتِ الْأَشْيَاءُ وَزَالَتْ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَدِيدُ الْبَطْشِ، عَظِيمُ السُّلْطَانِ، جَلِيلُ الْقَدْرِ، لَا يُقْدَرُ قَدْرُهُ، وَلَا يُطَاقُ قَهْرُهُ، وَلَا يُدْرَكُ جَبَرُوتُهُ، وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، جَلَّ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا -[266]-. فَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَجَلَّى لشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِظْهَارَ آثَارِ الْقُدْرَةِ، وَعِزِّ السُّلْطَانِ، وَقَهْرِ الرُّبُوبِيَّةِ، فَيَخْشَعُ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا تَجَلَّى لَهُ، وَكَشَفَ الْحِجَابَ عَنْهُ، وَيَتَطَامَنُ وَيَتَوَاضَعُ وَيَتَغَيَّرُ عَنْ أَوْصَافِهَا، وَيَتَحَوَّلُ عَنْ نُعُوتِهَا وَبِنْيَتِهَا تَخْوِيفًا لِلْعِبَادِ، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] ، فَكُسُوفُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِتَجَلِّي أَوْصَافِ الْقُدْرَةِ لَهَا، وَظُهُورِ أَعْلَامِ عِزِّ السُّلْطَانِ عَلَيْهَا، تَنْبِيهًا لِلْعِبَادِ وَتَحْذِيرًا لَهُمْ أَنَّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُمَا أَوْ كُشِفَ عَنْهُمَا مِنْ سِرِّ اللَّطِيفِ، وَحِجَابِ الرَّحْمَةِ غَيَّرَهُمَا عَنْ حَالِهِمَا، وَأَذْهَبَ بِنُورِهِمَا وَضِيَائِهِمَا عَلَى عَظِيمِ بِنْيَتِهِمَا وَرَفِيعِ مَكَانِهِمَا. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الشَّمْسَ تُشْرِقُ مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، ظَهْرُهَا إِلَى الدُّنْيَا، وَوَجْهُهَا لِأَهْلِ السَّمَوَاتِ، تُشْرِقُ وَتُضِيْءُ، وَعِظَمُهَا مِثْلُ الدُّنْيَا ثَلَاثَمِائَةِ مَرَّةٍ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَفِي الْقَمَرِ ثَمَانِمِائَةِ فَرْسَخٍ فِي مِثْلِهِ وَصِفَتِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ» ، فَإِذَا حَلَّ بِهِمَا مَعَ أَقْدَارِهِمَا مِنْ ظُهُورِ سُلْطَانِ اللَّهِ لَهُمَا مَا حَلَّ، فَكَيْفَ بِابْنِ آدَمَ الضَّعِيفِ الْبِنْيَةِ، الصَّغِيرِ الْقَدْرِ، الْقَلِيلِ التَّمَاسُكِ تَصْرَعُهُ اللَّحْظَةُ، وَتُؤْذِيهِ النَّمْلَةُ، لَا يَصِيرُ لِآثَارِ اللُّطْفِ وَلَا يُقَاوِمُ صِفَاتَ الرَّحْمَةِ مِنْ رِيحٍ تَهُبُّ، أَوْ رَعْدٍ يَرْعَدُ، أَوْ بَرْقًا يَلْمَعُ، أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ كُسُوفِهَا أَوْ كُسُوفِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ أَنْ يَفْزَعُوا إِلَى الْخُشُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ، وَالتَّوَجُّهِ نَحْوَهُ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا انْكَسَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَصَلُّوا كَأَتَمِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ» إِذِ الصَّلَاةُ خُشُوعٌ وَخُضُوعٌ وَالْتِجَاءٌ وَتَوَجُّهٌ وَإِقْبَالٌ. وَوَرَدَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ عَلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَمِنْهَا سِتُّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتِ، وَمِنْهُ جَمَاعَةٌ وَفُرَادَى، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ «كَأَتَمِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ» وَهُوَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَثَمَانِي سَجَدَاتٍ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ عَلَى صِفَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ الْآَخِرَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ أَتَمُّهَا فِي مَعْنَى الْعَدَدِ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ تَامَّتَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا، فَإِنْ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ فَهِيَ تَامَّةٌ، وَإِنْ صَلَّاهَا أَرْبَعًا فَهِيَ أَتَمُّ فِي مَعْنَى الْعَدَدِ، إِذْ لَا عَدَدَ لِلْمَكْتُوبَةِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِلْخُشُوعِ لِتَجَلِّي صِفَةِ الْقُدْرَةِ، وَظُهُورِ السُّلْطَانِ، يتَجَلَّى اللَّهُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِمَا شَاءَ، وَيَتَجَلَّى لِعِبَادِهِ بِوَاسِطَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لُطْفًا مِنْهُ بِهِمْ، وَرَحْمَةً عَلَيْهِمْ، وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ إِذْ لَوْ تَجَلَّى لَهُمْ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ لَحَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْجَبَلِ، بَلْ تَلَاشَوْا -[267]- وَدُفِنُوا، فَلَطَفَ بِهِمُ اللَّهُ وَرَأَفَ عَلَيْهِمْ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ بِعِبَادِهِ جَمِيلُ النَّظَرِ لَهُمْ لَطِيفٌ بِهِمْ

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 264
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست