responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 231
حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، ح يَحْيَى، ح الْخَيَّاطُ، ح حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَاءٍ طَوِيلٍ فِيهِ: «§وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَغَسْلَ الْخَطَايَا وَتَمْحِيصَهَا وَكَفَّارَتِهَا» وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْمِحَنِ وَالْبَلَايَا فِي الدُّنْيَا، وَيَكُونُ بِالشَّدَائِدِ وَالْأَهْوَالِ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّارِ، وَيَكُونُ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَفِّرْ خَطَايَايَ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَوْ مِنْ بَرْدِ عَفْوِكَ، فَعَبَّرَ عَنِ الْعَفْوِ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَالْبَرَدُ هُوَ الرَّوْحُ وَالْمَحْبُوبُ، وَتَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِالْعَفْوِ رَوْحٌ وَرَاحَةٌ وَمَحْبُوبٌ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ» فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ تُؤَيِّدُ صَاحِبَتَهَا. وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِيهَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ» أَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ بِهَا، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» أَنَّهُ أَرَادَ تَكْفِيرَهَا بِالْعَفْوِ وَالْفَضْلِ وَالتَّجَاوُزِ مِنْ غَيْرِ أَلَمٍ وَشِدَّةٍ مِنْ حَرَازَةِ مِحَنِ الْمَكَانِ فِي الدُّنْيَا، وَوَهَجِ النَّارِ فِي الْعُقْبَى. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ» الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الدَّنَسِ، وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ مَصْبُوغًا بِلَوْنٍ آخَرَ دُونَ الْبَيَاضِ فَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ فِيهِ الْأَثَرُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا» أَيْ: أَذْهِبْ أَثَرَهَا وَمُرَادَهَا وَشَهَوَاتِهَا عَنْ قَلْبِي بَعْدَ تَكْفِيرِهَا، فَلَا يَبْقَى لَهَا قي قَلْبِي أَثَرٌ مِنْ لَذَّةِ تِلْكَ الْخَطَايَا، وَشَهَوَاتِهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْخَطَايَا مَكْفُورَةً بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ، فَإِنَّهَا إِذًا ذَهَبَتْ شَهْوَةُ الْمَعْصِيَةِ، وَلَذَّتُهُ مِنَ الْقَلْبِ، كَأَنْ قُمْنَا -[232]- لَا يَعُودُ إِلَيْهَا، فَيَقُولُ: أَذْهِبْ لَذَّةَ الذُّنُوبِ وَشَهْوَةَ الْخَطَايَا الْمَكْفُورَةِ مِنْ قَلْبِي، كَمَا أَذْهَبْتَ آثَارَ الدَّنَسِ مِنَ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ إِذَا غُسِلَ، فَلَا أَعُودُ إِلَيْهَا آخِرَ الْأَبَدِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لِلثُّبُوتِ أَفْعَالُنَا، وَذَهَابُ الدَّنَسِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنَ الْغَسْلِ نَسَبُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: «كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ» . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَيْ: كَمَا لَا يَلْتَقِي الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ وَلَا يَجْتَمِعَانِ، كَذَلِكَ لَا أَجْتَمِعُ مَعَ خَطَايَايَ، وَلَا يَكُونُ لِي مَعَهَا الْتِقَاءٌ بِمَعْنَى الْعَوْدِ إِلَيْهَا أَبَدًا. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ» الْكَسَلُ: فُتُورٌ فِي الْإِنْسَانِ عَنِ الْوَاجِبَاتِ، فَإِنَّ الْفُتُورَ إِذَا كَانَ فِي الْفُضُولِ وَمَا لَا يَنْبَغِي فَلَيْسَ بِكَسَلٍ، بَلْ هُوَ عِصْمَةٌ، وَإِذَا كَانَ فِي الْوَاجِبَاتِ فَهُوَ كَسَلٌ، وَهُوَ الثِّقَلُ، وَالْفُتُورُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ، وَهُوَ الْخِذْلَانُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: 46] ، وَعَاتَبَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّثَاقُلِ عَنِ الْوَاجِبِ، وَالْفُتُورِ فِيهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة: 38] الْآَيَةَ. وَالْهَرَمُ: فُتُورٌ مِنْ ضِعْفٍ يَحِلُّ بِالْإِنْسَانِ، فَلَا يَكُونُ بِهِ نُهُوضٌ، فَفُتُورُ الْهَرَمِ فُتُورُ عَجْزٍ، وَفُتُورُ الْكَسَلِ فُتُورُ تَثْبِيطٍ وَتَأْخِيرٍ، فَاسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفُتُورِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ، وَالْقِيَامِ بِوَاجِبِ الْحَقِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، مِنْ جِهَةِ عَجْزِ ضَرُورَةٍ وَحِرْمَانٍ مِنْهَا مَعَ الْإِمْكَانِ. وَالْمَأْثَمُ: تَضْيِيعُ حُقُوقِ اللَّهِ، وَالْمَغْرَمُ: تَضْيِيعُ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَاسْتَعَاذَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ عِبَادِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْثَمُ إِتْيَانَ الْمَنَاهِي، وَالْمَغْرَمُ تَرْكَ الْأَوَامِرِ؛ فَإِنَّ الْغَرَامَةَ إِنَّمَا يَلْزَمُ الْعَبْدُ فِي تَضْيِيعِ مَا اسْتُرْعِيَ، فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرْتَكِبًا لِنَوَاهِيهِ مُضَيِّعًا لَأَمْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 231
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست