responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 222
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، ح نَصْرٌ، ح عَمَّارٌ، ح سَلَمَةُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ سَيِّدِ الْأَنْصَارِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ، وَيَظْهَرُ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ، فَإِذَا كَانَتِ الشُّهَدَاءُ أَحْيَاءً، فَالْأَنْبِيَاءُ أَوْلَى وَأَحَقُّ. وَتَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا فِي الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116] ، مَعْنَاهُ يَقُولُ اللَّهُ، فَلَيْسَ يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا تُحِبُّ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟ قَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقَاتِلَ فِيكَ "، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا دُنْيَا، وَقَدْ بَادَتِ الدُّنْيَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَزَالَ الْإِخْبَارُ وَالِابْتِلَاءُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْقِتَالُ وَالْجِهَادُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: رُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقَاتِلَ فِيكَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبْتَ، وَأَنَّ الْقِتَالَ قَدْ رُفِعَ، فَصَحَّ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا كَانَ وَالدُّنْيَا بَاقِيَةٌ، وَالْقِتَالُ وَاجِبٌ، وَالْجِهَادُ قَائِمٌ، فَإِذَا جَاءَ حَيَاةُ الشُّهَدَاءِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، جَازَ حَيَاةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَالْحَيُّ يَذْكُرُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ -[223]-. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: «يُصَلِّي» عَلَى حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدُ فِي الدُّنْيَا، وَالدُّنْيَا دَارُ تَعَبُّدٍ؛ لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا تَرْتَفِعُ الْعِبَادَاتُ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ دَارُ الثَّوَابِ، وَفِي الْآخِرَةِ الَّتِي لَا زَوَالَ لَهَا، وَلَا انْتِقَالَ لِأَهْلِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ السَّمَاوَاتِ مَكَانُ الْعِبَادَاتِ لِلْمَلَائِكَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى مَرَّ بِهِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ حَيٌّ قَائِمٌ يُصَلِّي عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي قَبْرِهِ، وَقَدْ فُسِحَ لَهُ قَبْرُهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هِيَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ» ، فَكَانَ قَبْرُ مُوسَى رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، كَمَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرِهِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ رَأَى مُوسَى فِي بَعْضِ السَّمَاوَاتِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ؟ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ حِينَ مَرَّ بِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رُفِعَ قَبْلَهُ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَرَآهُ فِيهَا، وَرَاجَعَهُ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ حِينَ فُرِضَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ صَلَاةً، فَمَا زَالَ مُوسَى يُرَاجِعُهُ فَيهَا حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ عِنْدَ أَهْلِهِ فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَرُدَّ قَبْلَ الصُّبْحِ إِلَى بَيْتِهِ، فَكَذَلِكَ مُوسَى كَانَ فِي الْأَرْضِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ حِينَ مَرَّ بِهِ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَرَاجَعَهُ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَمُتْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، بَلْ يَكُونُ صَعَقَةً كَصَعْقَتِهِ فِي الطُّورِ، فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ جَوَّزَنِي بِصَعْقَتِهِ فِي الطُّورِ، أَوْ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ» . هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِلَفْظِهِ -[224]-. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَمُتْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَخْبَرَ بِجَوَازِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَوَّزَنِي بِصَعْقَتِهِ فِي الطُّورِ، فَيَكُونُ قَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] ، وَقَدْ ذَاقَهَا. وَالْآَخَرُ: مِنْ جِهَةِ اسْتِثْنَاءِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّنْ يَشَاءُ أَنْ لَا يُصْعَقَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَيَكُونُ مَعْنَى صَلَاتِهِ فِي قَبْرِهِ إِذَا حُمِلَ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي قَبْرِهِ وَهُوَ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَجُوزِيَ بِالصَّعْقَةِ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْمَوْتِ وَيَفِيقُ فِي الْآَخِرَةِ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ إِذًا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُكُوسًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهِ، وَقَبْرُهُ فِي الدُّنْيَا، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ فِي الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِمْ بِأَجْسَادِهِمْ فِيمَا بَيْنَنَا، وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ حُكْمًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَدِ ارْتَفَعَتْ عَنْهُمْ أَحْكَامُ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَظَهَرَتْ لَهُمُ الْآَخِرَةُ وَأَحْكَامُهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَيَكُونُ صَلَاتُهُ ثَنَاءً وَدُعَاءً وَذِكْرًا دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الَّتِي هِيَ الْعِبَادَةُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ مَاتَ فَقَدْ صَارَ فِي حُكْمِ الْآَخِرَةِ، وَلَيْسَتِ الْآَخِرَةُ بِدَارِ عِبَادَةٍ، وَلَكِنَّهَا دَارُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهِيَ دَارُ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10] الْآَيَةَ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34] الْآيَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 222
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست