responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 218
§حَدِيثٌ آخَرُ

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، ح الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُقْرِئُ، ح مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ح الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَزَادَنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرِ بْنِ بَحِيرٍ الْقَاضِي بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِصْمَةَ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَهُ، ح سَوَّارُ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنِي هِقْلٌ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَهُوَ حِينَ يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرُ وَهُوَ حِينَ يَشْرَبُهَا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْهَبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ» ، قَالَ: فَقُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا فَمَهْ؟ قَالَ: فَنَفَرَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: أَمِرُّوا الْأَحَادِيثَ كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلَكُمْ، فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَمَرُّوهَا قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ:: قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: أَمِرُّوا الْأَحَادِيثَ كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلَكُمْ تَسْلِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَانْقِيَادٌ لِرَسُولِ اللَّهِ، وَتَصْدِيقٌ لَهُ، وَإِيمَانٌ بِهِ فِيمَا عُلِمَ وَجُهِلَ، وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمَا بِالْعُقُولِ الضَّعِيفَةِ، وَالْأَفْهَامِ السَّخِيفَةِ، إِيمَانًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَصْدِيقًا لَهُمَا، وَتَوْكِيلًا لَعِلْمِ تَأْوِيلِ مَا جَهِلْنَاهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْقُدْوَةُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَسَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَالزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ -[219]-. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَشَابِهَةِ، لَا يَرُدُّونَهَا رَدَّ مُنْكَرٍ جَاحِدٍ، وَلَا يَتَأَوَّلُونَهَا تَأْوِيلَ مُتَحَكِّمٍ مُتَكَلِّفٍ، بَلْ يُؤْمِنُونَ بِهَا إِيمَانَ مُصَدِّقٍ مُسْلِمٍ، وَيَرْوُنَهَا رِوَايَةَ فَقِيهٍ مُسْلِمٍ، وَقَدْ تَأَوَّلَهَا قَوْمٌ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَعُلَمَاءِ الدِّينِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَلَا تَكْذِيبٍ بِتَحْرِيفِ تَأْوِيلٍ طَلَبًا لِلْحِكْمَةِ فِيهَا عَلَى قَدْرِ أَفْهَامِهِمْ، وَمَبْلَغِ عُقُولِهِمْ، وَنُورِ أَسْرَارِهِمْ، وَشَرْحِ صُدُورِهِمْ، بِانْتِزَاعِ التَّأْوِيلِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَقَاوِيلِ فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ، وَعَلَى قَدْرِ الْحِكْمَةِ الَّتِي يَهَبُ اللَّهُ مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ، وَيُؤْتِهَا مَنْ يُرِيدُ، وَمَنْ أُوتِيَهَا فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أَيْ: لَا يَزْنِي وَهُوَ فِي حِينِ مَا يَزْنِي مُكَاشِفٌ فِي إِيمَانِهِ، مُشَاهِدٌ لِمَا آَمَنَ بِهِ بِإِيقَانِهِ، بَلْ هُوَ فِي وَقْتِ فِعْلِهِ ذَلِكَ عَنْ تَحْقِيقِ إِيمَانِهِ مَحْجُوبٌ، وَبِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ عَنْ شُهُودِ إِيقَانِهِ مَسْلُوبٌ، فَإِيمَانُهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ ثَابِتٌ، وَنُورُ إِيمَانِهِ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ مَطْمُوسٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِالْإِيمَانِ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ: نَاطِقٌ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ مَحْجُوبُ الْقَلْبِ فِيهِ عَنْ صِدْقِ الْإِخْلَاصِ، فَهُوَ مُؤْمِنُ الْعَلَانِيَةِ كَافِرُ السَّرِيرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136] وَنَاطِقٌ بِكَلِمَةِ التَّقْوَى مُنْطَوٍ فِي سِرِّهِ عَلَى صِدْقِ الدَّعْوَى، أَقَرَّ بِلِسَانِهِ وَأَخْلَصَ لِحَيَاتِهِ، مُضْطَرِبُ الْحَالِ فِيمَا يُوجِبُهُ إِيمَانُهُ، فَمَرَّةً بِالْجَنَّةِ مَوْصُوفٌ، وَأُخْرَى بِالْكُشُوفِ مَعْرُوفٌ، لَمْ يَلْبَسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ، وَلَمْ يُجَرِّدْهُ بِيَقِينٍ شُهُودُهُ حَقِيقَةُ عِلْمٍ، فَهُوَ مُؤْمِنُ الْعَلَانِيَةِ مُؤْمِنُ السَّرِيرَةِ مُخَلَّطُ الْفِعْلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] ، وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] طُولِبَ هَؤُلَاءِ بِوَفَاءِ مَا صَحَّتْ بِهِ عَقِيدَتُهُمْ، وَصَدَّقَتْ قَوْلَهُمْ سَرِيرَتُهُمْ، فَدَلَّ أَنَّهُمْ فِي حُجْبَةٍ عَمَّا نَطَقُوا بِهِ وَاعْتَقَدُوهُ، وَمُقِرٌّ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَدْ أَسْقَطَ عَنْ سِرِّهِ مَا دُونَ اللَّهِ، وَأَقْبَلَ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى اللَّهِ، وَأَسْرَعَ بِسَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ بِكُشُوفِ إِيمَانِهِ، وَصِدْقِ إِيقَانِهِ، حَجَبَهُ إِيمَانُهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ لَذَّاتِهِ، وَصَرَفَهُ إِيقَانُهُ عَنْ شَهَوَاتِهِ، فَهُوَ يُشَاهِدُ مَا آَمَنَ بِهِ كَأَنَّهُ رَأَى عِيَانًا، فَيَرَى مَا غُلِبَ عَنْ بَصَرِهِ بِعَيْنٍ، كَمَا قَالَ حَارِثَةُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا -[220]-، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ» ، فَهَذَا الْمُكَاشِفُ بِالْإِيمَانِ شُهُودًا لِمَا آَمَنَ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] ، فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَهُوَ مَحْجُوبٌ بِإِيمَانِهِ عَنِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَانْتِهَابِ نُهْبَةٍ ذَاتِ شَرَفٍ، وَمَنْ حُجِبَ عَنْ إِيمَانِهِ بِظُلْمَةِ غَفْلَتِهِ، وَدُخَانِ شَهْوَتِهِ رُبَّمَا وَاقَعَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَوُصِفَ بِهَذِهِ الْخِصَالِ مَا بَلَغَ مِنْ حَقِّ إِيمَانِهِ أَنْ أَسْقَطَ إِبَاحَتَهَا مِنْ سِرِّهِ لَمْ يَبْلُغْ حَقِيقَةَ حَقِّهِ أَنْ يُجَانِبَهَا بِعَقْلِهِ، فَهُوَ فِي وَقْتِ مُوَاقَعَتِهَا وَالْإِتْيَانِ بِهَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِحَقِيقَةِ حَقِّ الْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِصِدْقِ الْإِيمَانِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ إِيمَانَ عُقُودٍ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ إِيمَانَ شُهُودٍ فَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: كَالْعُذْرِ لَهُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ يَزْنِ الزَّانِي حِينَ يَزْنِي جُحُودًا وَاسْتِكْبَارًا، وَلَكِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ حُجَّةً وَاسْتِتَارًا وَالْمَعْنَى الْآَخَرُ: كَالتَّحْذِيرِ عَنْ مُبَالَغَةِ الْهَوَى، وَالِانْهِمَاكِ فِي الشَّهَوَاتِ وَالْمُنَى، كَأَنَّهُ يَقُولُ: غَفْلَةُ سَاعَةٍ وَاتَّبَاعُ شَهْوَةٍ حَجَبَتْهُ عَنْ حَقِيقَةِ إِيقَانِهِ، فَغَيْرُ مَأْمُونٍ إِنْ دَامَتْ غَفْلَتُهُ، وَاسْتَحْكَمَتْ فِيهِ شَهْوَتُهُ أَنْ يُزِيلَهُ شُؤْمُ فِعْلِهِ عَنْ حَقِيقَةِ إِيمَانِهِ، فَالزِّنَا عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ شَهَوَاتِ النَّفْسِ الْمَحْظُورَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالشَّرَفُ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَشُرْبُ الْخَمْرِ عِبَارَةٌ عَنِ الْغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِانْتِهَابُ عِبَارَةٌ عَنِ الْحِرْصِ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، فَفِيهِ تَحْذِيرٌ عَنْ مُتَابَعَةِ الشَّهَوَاتِ وَالرَّغْبَةِ فِي اللَّذَّاتِ وَالْغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ وَالْحِرْصِ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالِاسْتِخْفَافِ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمُنْتَهِبَ نُهْبَتَهُ رَفَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْصَارَهُمْ مُسْتَخِفٌّ بِهِمْ غَيْرُ مُقِرٍّ لَهُمْ، وَلَا مُعَظِّمٍ حَقَّهُمْ

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 218
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست