responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 183
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الْلَّهُ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ عَقِيلٍ، قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ح يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ح أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ، وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى الْحَلِيمِ وَالصَّبُورِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنَ الْمُتَشَابِهَةِ الَّتِي لَوْلَا وُرُودُ السَّمْعِ بِهِ لَمَا جَازَ وَصْفُ اللَّهِ بِهَا، وَقَدْ سَمَّى نَفْسَهُ حَلِيمًا، وَيُوصَفُ بِالْحِلْمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى صَبُورًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدِ السَّمْعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى صَبُورًا، وَيُوصَفُ بِالصَّبِرِ، وَرُوِيَ الْخَبَرُ فِي الصَّبُورِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحِلْمِ وَالصَّبْرِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: الْحِلْمُ بُنِيَ عَلَى التَّجَاوُزِ وَالْعَفْوِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ كَرْمًا وَفَضْلًا، وَالصَّبْرُ يُبْنَى عَلَى تَحَمُّلِ الْمَكْرُوهِ، وَتَجَرُّعِ الْغَصَصِ ضَرُورَةً تَكَلُّفًا وَتَجَلُّدًا، وَالْعَفْوُ وَالتَّجَاوُزُ وَالْقُدْرَةُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ التَّكَلُّفُ وَالتَّجَرُّعُ وَالضَّرُورَةُ مِنْ أَوْصَافِهِ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، فَجَوَّزُوا وَصْفَهُ بِالْحِلْمِ، وَمَنَعُوا الصَّبْرَ، وَالصَّبْرُ مِنَ الْخَلْقِ حَبْسُ النُّفُوسِ، وَمَنْعُهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا الْمَحْظُورَةِ فَرْضًا حَتْمًا، وَعَنْ شَهَوَاتِهَا الْمُبَاحَةِ تَطَرُّفًا وَأَدَبًا وَرِيَاضَةً، وَقَدْ قَالَ الْحَكِيمُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْفِلَ قَلِيلَ الشَّهْوَةِ وَلَا كَثِيرَهَا، فَإِنَّ كَثِيرَهَا تَلَفٌ، وَقَلِيلَهَا دَنَاءَةٌ، وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَكَارِهِ، وَتَجَرُّعِ الْغَصَصِ عِنْدَ مُنَازَعَةِ النَّفْسِ إِلَى الِاسْتِرْوَاحِ بِالِانْتِقَامِ وَالْجَزَعِ إِمَّا خَوْفًا مِمَّا هُوَ أَشَدُّ فِي الْمَكْرُوهِ مِنْهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، أَوْ حَاجَةً إِلَى الثَّوَابِ الْمَوْعُودِ مِنْهُ، وَالْأَذَى كُلُّ مَا يُكْرَهُ وَيُسْخَطُ مِنْ قَوْلٍ، وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ مِنْ فِعْلٍ. فَمَعْنَى الصَّبْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَبْسَ الْعُقُوبَةِ عَنِ الْمُؤْذِي لَهُ بِمَا يَكْرَهُ وَيَسْخَطُ وَيَنْقُصُ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِهِ، وَجَعْلِ الْأَوْلَادِ لَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ -[184]-، وَالْأَخْذِ لَهُمْ، وَالتَّدَسُّرِ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ يَحْبِسُ عَنْهُمْ عُقُوبَتَهُ، وَيُؤَخِّرُ عَنْهُمْ عَذَابَهُ، وَلَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي اسْتَحَقُّوهَا عَلَى شِرْكِهِمْ بِهِ، وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا تَأْخِيرِ الْعُقُوبَةِ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ، فَهُوَ أَصْبَرُ عَلَى الْأَذَى مِنَ الْخَلْقِ، لِأَنَّ الْخَلْقَ يُؤْذَوْنَ بِمَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُمْ وَفِيهِمْ، وَمَا يُؤْذُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا إِضَافَةً، وَهُمْ إِنْ صَبَرُوا صَبَرُوا ضَرُورَةً وَتَكَلُّفًا وَرِقًّا وَعُبُودَةً، ثُمَّ لَا يُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ يُؤْذِيهِمْ. فَفِي الْحَدِيثِ إِبَانَةٌ عَنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ فِي تَرْكِ مُعَاجَلَةِ الْعُقُوبَةِ، وَتَأْخِيرِ الْعَذَابِ، وَإِدْرَارِ الرِّزْقِ عَلَى الْمُؤْذِي لَهُ وَعَاقِبَتِهِ إِيَّاهُ، فَهَذَا كَرَمُهُ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ يُؤْذِيهِ وَيَكْذِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَغِيضُهُ وَعَدُوُّهُ، فَمَا ظَنُّكَ بِمُعَامَلَتِهِ مَعَ مَنْ يَتَحَمَّلُ الْأَذَى فِيهِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَهُوَ وَلِيُّهُ وَحَبِيبُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 257] ، وَقَالَ {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] ، سُبْحَانَ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ الرَّءُوفِ الْحَلِيمِ. فَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا حَثٌّ عَلَى الصَّبْرِ، وَتَحَمُّلِ الْأَذَى فِيمَا يُصِيبُ الْعَبْدَ مِمَّا يَكْرَهُهُ وَيَغُمُّهُ وَيُؤْلِمُهُ وَيَشُقُّ، كَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُؤْذَى بِالْغَايَةِ مِنَ الْأَذَى، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، وَهُوَ يُؤَخِّرُ عَنْهُمْ عُقُوبَتَهُ، وَيَحْبِسُ عَنْهُمْ عَذَابَهُ مَعَ تَعَالِيهِ عَنْ جَرِّ مَنْفَعَةٍ فِيهِ، أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْهُ، فَالْعَبْدُ الْمُضْطَرُّ الْمُحْتَاجُ إِلَى الثَّوَابِ الْمَوْدُوعُ عَلَى الصَّبْرِ وَالْخَوْفِ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْمُتَوَعِّدُ عَلَى الْجَذَعِ عَلَى أَدْنَى أَذًى يَلْحَقُهُ ثُمَّ يَعْتَاضُ عَلَيْهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَصْبِرَ وَأَحَقُّ

§حَدِيثٌ آخَرُ

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 183
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست