responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 177
حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُرُوكِيُّ قَالَ: ح يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي حَيْرَانَ قَالَ: ح الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً وَقُوَّةً» -[178]- وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي إِبَاحَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِمَنْ أَرَادَ الصِّيَامَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ أَنَّ الصَّائِمَ إِذْ نَامَ حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ، ثُمَّ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بِقَوْلِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] ، فَإِبَاحَةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي لَيْلَةِ الصِّيَامِ بَعْدَ النَّوْمِ وَهُوَ السَّحُورُ زِيَادَةٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ، وَهُوَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 187] . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى بِرُخَصِهِ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى بِعَزَائِمِهِ» فَيَكُونُ مَعْنَى التَّرْغِيبِ فِي السَّحُورِ تَرْغِيبًا فِي قَبُولِ الرُّخْصَةِ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ إِتْيَانَهَا. وَمَعْنَى الْبَرَكَةِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الْعُمُرِ لِأَنَّ الْعُمُرَ الْحَيَاةُ، فِيهَا نَوْمٌ إِلَى الْأَجَلِ الْمُؤَقَّتِ الَّذِي إِذَا جَاءَ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ، وَهَذِهِ الْمُدَّةُ فِيهَا نَوْمٌ وَيَقَظَةٌ، وَالنَّوْمُ مَوْتٌ وَالْيَقَظَةُ حَيَاةٌ، قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام: 60] ، وَقَالَ تَعَالَى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] ، فَسَمَّى الْوَفَاةَ الَّتِي هِيَ النَّوْمُ مَوْتًا، وَالْيَقَظَةَ حَيَاةً وَنُشُورًا بِقَوْلِهِ {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام: 60] ، وَفِي مُدَّةِ الْحَيَاةِ مَعْنَيَانِ: اكْتِسَابُ الطَّاعَةِ لِلْمُعَاوِدِ، وَاقْتِنَاءُ الْمَرَافِقِ لِلْمَعَاشِ، وَمِنَ الْمَرَافِقِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] وَفِي السَّحُورِ يَقَظَةٌ، وَهِيَ الْحَيَاةُ، فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْحَيَاةِ وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي مَرَافِقِ الْحَيَاةِ، وَفِيهِ فِي زِيَادَةِ اكْتِسَابِ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَرَادَ السَّحُورَ رُبَّمَا تَطَهَّرَ وَصَلَّى، فَإِنْ قَصَّرَ سَمَّى اللَّهَ وَدَعَا، وَإِنْ غَفَلَ عَنِ الذِّكْرِ وَكَسَلَ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِنِيَّةِ الصِّيَامِ طَاعَةٌ، فَفِيهِ زِيَادَةُ الْحَيَاةِ، وَزِيَادَةُ الرِّفْقِ، وَزِيَادَةُ الطَّاعَةِ، وَهَذَا هُوَ الْعُمُرُ، فَفِي السَّحُورِ زِيَادَةُ الرِّفْقُ فِي الْعُمُرِ، وَيَكُونُ فِي السَّحُورِ زِيَادَةُ وَقْتِ السَّحُورِ عَلَى الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا، وَهِيَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ -[179]- أَوْقَاتِ الزَّمَانِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَيُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ، وَيُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ، وَفِي وَقْتِ السَّحُورِ كَذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] ، وَقَالَ {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ " وَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ» ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ تَأْخِيرُ السَّحُورِ» أَرَادَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ لِيَكُونَ فِيهِ دَعْوَةٌ وَاسْتِغْفَارٌ فَيُجَابَ، وَسُؤَالُ حَاجَةٍ فَتُقْضَى، فَوَقْتُ السَّحُورِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَوْقَاتِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا الَّتِي هِيَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، إِذًا فَالسُّحُورُ زِيَادَةٌ فِي الْقُوَّةِ، وَزِيَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَزِيَادَةٌ فِي الرُّخَصِ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ إِتْيَانَهَا، وَزِيَادَةٌ فِي الْحَيَاةِ، وَزِيَادَةٌ فِي الرِّفْقِ فِيهَا، وَزِيَادَةٌ فِي اكْتِسَابِ الطَّاعَةِ، وَزِيَادَةٌ عَلَى الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الرُّخْصَةَ بَرَكَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَكَانَ السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَدَتْ قِلَادَةً لَهَا فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَلَبِهَا، وَالنَّاسُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا هَذَا بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، فَجَعَلَ الرُّخْصَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَرَكَةً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَرَكَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حِسَابَ فِيهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعُ نَفَقَاتٍ لَا حِسَابَ لِلْعَبْدِ فِيهِنَّ: نَفَقَةٌ عَلَى عِيَالِهِ، وَعَلَى وَالِدِهِ، وَعَلَى إِفْطَارِهِ، وَعَلَى سَحُورِهِ " -[180]- ثُمَّ فِي السَّحُورِ فَوَائِدُ، قِيلَ: فِيهِ حُصُولُ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَزُولُ الِاخْتِلَافُ فِي جَوَازِ صَوْمِهِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحُورِ» وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ: إِنَّ السَّحُورَ وَقْتُ النَّجَاةِ، قَالَ تَعَالَى {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِنْ عِنْدَنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر: 35] ، كَأَنَّهُ جَعَلَ وَقْتَ السَّحَرِ وَقْتَ الزِّيَادَةِ نِعْمَةً وَنَجَاةً مِنْ نِعْمَةٍ، وَالسَّحُورُ يَكُونُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَتَيَقُّظُ الْمُتَسَحِّرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِهَلَاكِ مَنْ هَلَكَ، وَنَجَاةِ مَنْ نَجَا. وَقِيلَ فِيهِ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: «تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» أَيْ: بَرَكَةُ الْبُكُورِ

§حَدِيثٌ آخَرُ

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ فَتْحٍ قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح قُتَيْبَةَ قَالَ: ح أَبُو عَوَانَةَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْبَرَكَةِ الزِّيَادَةَ، وَمَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي السَّحُورِ يَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً فِي الْقُدْرَةِ عَلَى صَوْمِ النَّهَارِ، وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قُوَّةٌ عَلَى صَوْمِ النَّهَارِ وَهُوَ مَا

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 177
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست