مدرسة الفقاهة
مکتبة مدرسة الفقاهة
قسم التصویري
قسم الکتب لأهل السنة
قسم التصویري (لأهل السنة)
ويکي الفقه
ويکي السؤال
فارسی
دلیل المکتبة
بحث متقدم
مجموع المکاتب
الصفحة الرئیسیة
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
جميع المجموعات
المؤلفین
الحدیث
علوم الحديث
العلل والسؤالات
التراجم والطبقات
الأنساب
جميع المجموعات
المؤلفین
متون الحديث
الأجزاء الحديثية
مخطوطات حديثية
شروح الحديث
كتب التخريج والزوائد
جميع المجموعات
المؤلفین
مدرسة الفقاهة
مکتبة مدرسة الفقاهة
قسم التصویري
قسم الکتب لأهل السنة
قسم التصویري (لأهل السنة)
ويکي الفقه
ويکي السؤال
صيغة PDF
شهادة
الفهرست
««الصفحة الأولى
«الصفحة السابقة
الجزء :
1
الصفحة التالیة»
الصفحة الأخيرة»»
««اول
«قبلی
الجزء :
1
بعدی»
آخر»»
اسم الکتاب :
بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار
المؤلف :
الكلاباذي، أبو بكر
الجزء :
1
صفحة :
159
§
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمُعَدِّلُ، قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ح إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّامِيُّ قَالَ: أخ عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: ح مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: ح ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ، الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ، مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ، حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، مَا عَالَ امْرُؤٌ اقْتَصَدَ، التَّقْدِيرُ نِصْفُ الْعَيْشِ - وَفِي رِوَايَةٍ: نِصْفُ الْمَعِيشَةِ - وَالتَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ، وَقِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ، مَنْ أَحْزَنَ وَالِدَيْهِ عَقَّهُمَا، مَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَبِطَ عَمَلُهُ، لَا يَكُونُ الصَّنِيعَةُ إِلَّا عِنْدَ ذِي حَسَبٍ وَدِينٍ كَمَا لَا تَصْلُحُ الرِّيَاضَةُ إِلَّا فِي النَّجِيبِ، يَنْزِلُ الرِّزْقُ عَلَى قَدْرِ الْمُؤْنَةِ، وَيَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ، وَمَنْ قَدَّرَ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ بَذَّرَ حَرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، الْأَمَانَةُ تَجُرُّ الرِّزْقَ، وَالْخِيَانَةُ تَجُرُّ الْفَقْرَ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّمْلَةِ صَلَاحًا مَا أَنَبْتَ لَهَا جَنَاحًا، فَهَذِهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ خَصْلَةً، وَهِيَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ " قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ» ، مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الْمُقَرِّبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرَبَ} [العلق: 19]
-[160]- وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِذَا قَالَ فِي سُجُودِهِ: رَبِّ ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي "، وَالتَّقِيُّ تَقِيَّانِ: تَقِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَتَقِيٌّ عَلَى التَّقَيُّدِ، فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَبَذَلَ مَجْهُودَهُ فِي أَدَاءِ فُرُوضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَنَاهِيهِ، فَهُوَ تَقِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ هَذِهِ الْخِصَالَ، وَاتَّقَى الشِّرْكَ، فَهُوَ تَقِيٌّ عَلَى التَّقَيُّدِ، فَالتَّقِيُّ الْمُطْلَقُ مَقْبُولٌ عَمَلُهُ، فَعَمَلُهُ قُرْبَةٌ لَهُ، فَصَلَاةُ هَذَا التَّقِيِّ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] ، وَمَنْ قُبِلَ عَمَلُهُ فَعَمَلُهُ قُرْبَةٌ لَهُ، فَصَلَاةُ هَذَا التَّقِيِّ لَهُ قُرْبَانٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَالتَّقِيُّ الْمُقَيَّدُ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: اتَّقِ الشِّرْكَ يُقَيَّدُ لَهُ قَبُولُ عَمَلِهِ بِالْمَشِيئَةِ، فَإِنْ قُبِلَتْ صَلَاتُهُ كَانَتْ صَلَاتُهُ قُرْبَانًا، وَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ، فَالصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ مُطْلَقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا مَحَالَةَ وَعْدًا مِنَ اللَّهِ صِدْقًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قُرْبَانُ مَنِ اتَّقَى الشِّرْكَ أَنْ قَبِلَ اللَّهُ تَعَالَى صَلَاتَهُ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ» أَيْ: أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ التَّقِيِّ الْمُعْدِمِ تَقُومُ مَقَامَ الضَّحَايَا وَالنَّسَائِكِ؛ لِأَنَّ التَّقِيَّ إِذَا وَجَدَ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِكُلِّ وَجْهٍ، فَهُوَ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ وَجْهٍ، فَهُوَ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالضَّحَايَا، وَالنَّسَائِكِ، وَالصَّدَقَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ كَانَتْ تِلْكَ بِنِيَّةِ أَنْ وَجَدَ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعَبْدَ يَهُمُّ بِالْحَسَنَةِ فَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةً، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا: ". فَهَذِهِ صَلَاتُهُ تَقُومُ لَهُ مَقَامَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَجْهُودَهُ فِي التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ» الْجِهَادُ تَحَمُّلُ الْآلَامِ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ دُونَ بُلُوغِ أَقْصَى الْغَايَةِ فِيهِ إِذْ فِيهِ بَذْلُ الرُّوحِ وَكُلُّ الْمَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] ، وَمَنْ ضَعُفَ عَنْ هَذَا الْجِهَادِ لِزَمَانَةٍ أَوْ عُذْرٍ فَالْحَجُّ لَهُ جِهَادٌ، إِذْ فِيهِ تَحَمُّلُ بَعْضِ الْآلَامِ، وَبَذْلُ بَعْضِ الْمَالِ، وَحُسْنُ التَّقَبُّلِ مِنَ الْمُرُوءَةِ تَحَمُّلُ الْآلَامِ فِيمَا تَكْرَهُهَا وَتَشُقُّ عَلَيْهَا، فَهُوَ مِنْهَا جِهَادٌ إِذْ لَا جِهَادَ عَلَيْهَا، جِهَادُ قَتْلٍ -[161]-. وَقَوْلُهُ: «الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ» وَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ مُتَمَنٍّ لِلتَّرَمِّي، وَلَيْسَ بِرَامٍ، إِذْ لَا يُمْكِنُهُ الرَّمْيُ مِنْ غَيْرِ وَتَرٍ، فَكَأَنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْمِيَ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الرَّمْيِ وَأَرَادَهُ أَعَدَّ الْوَتَرَ ثُمَّ رَمَى، فَكَذَلِكَ الدَّاعِي مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ مُتَمَنٍّ بُلُوغَ مَا يَدْعُو فِيهِ، وَلَيْسَ بِمُرِيدٍ لِمَا يَدْعُو فِيهِ، وَلَا عَازِمٍ عَلَى الطَّلَبِ لَهُ، فَإِنْ صَحَّتْ إِرَادَتُهُ لِمَا يَدْعُو فِيهِ عَزَمَ عَلَى الطَّلَبِ لَهُ، وَعَزِيمَتُهُ عَلَيْهِ عَمَلٌ صَالِحٌ يُقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ دَعْوَتِهِ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ» الْخُلَفُ خَلَفَانِ: ثَوَابٌ فِي الْآجَلِ، وَعِوَضٌ فِي الْعَاجِلِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهُمَا جَمِيعًا {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] ، فَهَذَا فِي عِوَضِ الْعَاجِلِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} ، فَهَذَا فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَعِوَضُ الْعَاجِلِ أَنْ يَخْلُفَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَشَرَةً لِوَاحِدَةٍ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] ، أَوْ يُبَارَكَ لَهُ فِي الْبَاقِي، فَيَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْعَشَرَةِ، وَيَنُوبُ الْوَاحِدُ مَنَابَ عَشَرَةٍ، فَمَنْ شَاهَدَ هَذَيْنِ الْخَلَفَيْنِ بِبَصَرِ قَلْبِهِ أَسْرَعَ إِلَى الْعَطِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ بَصَرُ الْقَلْبِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ» . لِلْمَالِ مُسْتَحِقَّانِ الْمَسَاكِينُ وَالْحَوَادِثُ، فَالطَّالِبُ بِحَقِّ الْمَسَاكِينِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَوَادِثُ يَأْتِي بِهَا الْأَقْدَارُ، وَهِيَ يَدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُؤَدِّي حَقَّ الْمَسَاكِينِ مُرْضٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَحْوِ اللَّهِ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، أَوْ يُجْرِيهَا عَلَى وُقُوعِ الْحَوَادِثِ فَجَعَلَهَا بِهَذِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96] ، وَيُخْلِفُ مِنْهَا، وَيُلْهِمُ الصَّبْرَ عَلَيْهَا، وَيُعَظِّمُ الثَّوَابَ فِيهَا، فَالزَّكَاةُ حِصْنٌ لَهَا إِنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ، وَهِيَ لَهَا أَحْصَنُ إِنْ حَصَلَتْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: «مَا عَالَ امْرُؤٌ اقْتَصَدَ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ اقْتَصَدَ أَيْ: قَصَدَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: مَنْ قَصَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالثِّقَةِ بِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ لَمْ يُحْوِجْهُ إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ قَامَ بِكِفَايَتِهِ، وَسَدِّ خُلَّتِهِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3] ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ مَنْ سِوَاهُ يَجْعَلْ لَهُ مُتَّسَعًا، وَيَرْزُقْهُ عَمَّنْ عِنْدَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[162]-: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ» الْخَبَرَ، فَمَنْ قَصَدَ اللَّهَ تَعَالَى بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ لَمْ يُصِبْهُ عَيْلَةٌ، وَالْعَيْلَةُ اخْتِلَالُ الْحَالِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى النَّاسِ. وَقَوْلُهُ: «التَّقْدِيرُ نِصْفُ الْعَيْشِ» ، كَمَالُ الْعَيْشِ شَيئَانِ: مُدَّةُ الْأَجَلِ، وَحُسْنُ الْحَالِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ هُوَ التَّوَسُّطُ بَيْنَ التَّقْتِيرِ، وَالتَّبْذِيرِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] ، وَحُسْنُ الْحَالِ مَهْنَأُ مَا يُمْكِنُهُ فِي عَاجِلِهِ، وَالْمُسْرِفُ يُحْرَمُ ثَوَابَ نَفَقَتِهِ فِي أَجَلِهِ، وَالْبَرَكَةَ فِي عَاجِلِهِ، وَنَبَوَاتِ الْبَرَكَةِ، وَالْمَهْنَأُ فَوَاتُ حُسْنِ الْحَالِ، وَبِحُصُولِهِمَا حُصُولُ حُسْنِ الْحَالِ، وَحُسْنُ الْحَالِ أَحَدُ نِصْفَيِ الْعَيْشِ، وَكَمَالُهُ اسْتِكْمَالُ مُدَّةِ الْأَجَلِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ» ، إِقَامَةُ الْعُبُودِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ مَعَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِقَامَةُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْئَانِ: الْوَفَاءُ فِي الْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ، وَالرِّضَا فِي الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ، وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ كَفُّ الْأَذَى، وَبَذْلُ النَّدَى، وَمَنْ كَفَّ أَذَاهُ، وَبَذَلَ نَدَاهُ، وَدَّهُ النَّاسُ، فَكَأَنَّهُ مَنْ أَحْسَنَ مُعَامَلَةَ خَلْقِ اللَّهِ، فَقَدْ جَازَ نِصْفَ الْعَقْلِ، فَإِنْ أَقَامَ الْعُبُودِيَّةَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَكْمَلَ جَمِيعَهُ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ» ، ضَعْفٌ لَيْسَ وَرَاءَهُ قُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ انْحِلَالُ الْقُوَى، وَهِيَ إِذَا انْحَلَّتْ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَالْهَمُّ يُضَعِّفُ ضَعْفًا، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ قُوَّةٌ مَا لَمْ تُحَلَّ الْقُوَى، فَإِذَا حَلَّ الْهَمُّ الْقَوِيَّ، فَهُوَ الضَّعِيفُ الَّذِي لَيْسَ وَرَاءَهُ قُوَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَحُلَّهَا، وَزَالَ الْهَمُّ عَادَتِ الْقُوَّةُ، وَالْهَمُّ إِذًا نِصْفُ الضَّعْفِ الَّذِي جَمِيعُهُ انْحِلَالُ الْقُوَى، وَفَسَادُهَا. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ» الْيَسَارُ: خَفْضُ الْعَيْشِ، وَالْيُسْرُ فِيهِ، وَهُوَ زِيَادَةُ الدَّخْلِ عَلَى الْخَرْجِ، أَوْ وَفَاءُ الدَّخْلِ بِالْخَرْجِ، فَمَنْ كَثُرَ دَخْلُهُ، وَقَلَّ، أَوْ كَثُرَ عِيَالُهُ، فَضُلَ لَهُ مِنْ دَخَلِهِ، أَوْ وَفَّى دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ، وَمَنْ قَلَّ دَخْلُهُ، وَقَلَّ عِيَالُهُ، وَفَّى دَخْلُهُ بِخُرُوجِهِ، أَوْ فَضُلَ مِنْ دَخْلِهِ، وَخَفَضَ عَيْشُهُ، وَيُسِّرَ -[163]-. وَقَوْلُهُ: «مَنْ أَحْزَنَ وَالِدَيْهِ فَقَدْ عَقَّهُمَا» الْعُقُوقُ قَصْدُ الْجَفَا لِلْأَبَوَيْنِ، وَفِي الْجَفَا لَهُمَا إِدْخَالُ الْأَلَمِ عَلَيْهِمَا، وَالْحُزْنُ أَلَمٌ، فَمَنْ أَحْزَنَهُمَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْجَفَاءِ، فَقَدْ آلَمَهُمَا، وَالْأَلَمُ عُقُوقٌ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» ، ثَمَرَةُ الْعَمَلِ ثَوَابُهُ، وَثَوَابُ الْمُصِيبَةِ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ، وَضَرْبُ الْيَدِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ جَزَعٌ، وَمَنْ جَزِعَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ، فَالْجَزَعُ مُبْطِلٌ ثَوَابَ الْمُصِيبَةِ، وَمَنْ فَاتَهُ الثَّوَابُ عَلَى عَمَلِهِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ. وَقَوْلُهُ: «لَا يَكُونُ الصَّنِيعَةُ إِلَّا عِنْدَ ذِي حَسَبٍ وَدِينٍ كَمَا لَا تَصْلُحُ الرِّيَاضَةُ إِلَّا فِي النَّجِيبِ» ، مِنَ الدَّوَابِّ، وَمَا لَيْسَ بِنَجِيبٍ فَلَا تَقَعُ فِيهِ، فَرِيَاضَةٌ لَا تُفِيدُ مَعْنًى، وَيُتْعَبُ الرَّايِضُ، وَالْغَرَضُ مِنَ الصَّنِيعَةِ ثَوَابُ الْآجِلِ، وَشُكْرُ الْعَاجِلِ، فَمَنْ قَصَدَ بِصَنِيعَتِهِ ثَوَابَ الْآجِلِ اصْطَنَعَ إِلَى ذِي الدِّينِ، فَصَانَ بِهِ دِينَهُ، فَيَعْظُمُ ثَوَابُهُ، وَمَنْ قَصَدَ شُكْرَ الْعَاجِلِ اصْطَنَعَ إِلَى ذِي حَسَبٍ، فَصَانَ بِهِ عِرْضَهُ، فَحَسُنَ شُكْرُهُ، وَمَنِ اصْطَنَعَ إِلَى غَيْرِ هَذَيْنِ، فَكَأَنَّهُ يَقْصِدُ الْغَرَضَ مِنَ الصَّنِيعَةِ إِذْ لَمْ يُصْبِنْ بِهَا دُنْيَا، وَلَا عِرَضًا، وَمَنْ لَمْ يُصْبِنْ بِالصَّنِيعَةِ دِينَهُ، وَلَا عِرْضَهُ، فَكَأَنَّمَا لَمْ يَصْطَنِعْ. وَقَوْلُهُ: «يَنْزِلُ الرِّزْقُ عَلَى قَدْرِ الْمُؤْنَةِ» ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ ذِي رُوحٍ رِزْقًا مِنْ غَدَاهُ، أَوْ مُلْكٍ، أَوْ جَمِيعِهِمَا، فَمَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ ذَوُو الْأَرْوَاحِ حَصَلَ لَهُ أَرْزَاقُهُمْ. وَقَوْلُهُ: «يَنْزِلُ الصَّبْرِ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ» صِفَةُ الْإِنْسَانِ الْجَزَعُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 19] ، فَمِنْ جَوْهَرِهِ، وَصِفَتِهِ الْجَزَعُ، وَأَمَّا الصَّبْرُ فَبِاللَّهِ يَكُونُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] ، فَمِنْ عَظَمَةِ مُصِيبَتِهِ يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِهَا، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِلصَّابرِ إِنْ صَبَرَ عَلَى عِظَمِ مُصِيبَتِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى، لَا بِهِ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ قَدَّرَ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ بَذَّرَ حَرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَلِيلَ النَّفَقَةِ» ، فِي الْمَعْصِيَةِ تَبْذِيرٌ، وَكَثِيرُهَا فِي ضَيَاعِهِ تَقْدِيرٌ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى، فَوَضَعَ النَّفَقَةَ فِي حَقِّهَا اتَّقَاهُ، وَمَنِ اتَّقَاهُ رَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ تَعَالَى، فَأَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، فَقَدْ -[164]- عَصَاهُ، وَمَنْ عَصَاهُ لَمْ يَخْلُفْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا اسْتَحَقَّ الثَّوَابَ فِي الْعُقْبَى، فَقَدْ حُرِمَ الْمُبَذِّرُ ثَوَابَ الْآجِلِ، وَخُلْفَ الْعَاجِلِ، وَرُزِقَ الْمُقَدِّرُ الْخُلْفَ فِي الْعَاجِلِ، وَالثَّوَابَ فِي الْآجِلِ. وَقَوْلُهُ: «الْأَمَانَةُ تَجُرُّ الرِّزْقَ» ، الْأَمَانَةُ ذَمُّ الْجَوَارِحِ، وَكُفُّ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَهُوَ التُّقَى، وَالتَّقِيُّ مَرْزُوقٌ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تَسْتَجْلِبُ الْقُلُوبَ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْجِنَايَةَ تُنَفِّرُهَا، وَالْجِنَايَةُ تَجُرُّ الْفَقْرَ، وَالْجِنَايَةُ تَضْيِيعُ الْجَوَارِحِ، وَانْهِمَاكٌ فِي الشَّهَوَاتِ، وَالْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَضْيِيعُ الْجَوَارِحِ، وَمُتَابَعَةُ الشَّهَوَاتِ إِعْرَاضٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْبَلَ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى غَيْرِهِ افْتَقَرَ؛ لِأَنَّ مَنْ دُونَ اللَّهِ فَقِيرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: 15] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّمْلَةِ صَلَاحًا مَا أَنْبَتَ لَهَا جَنَاحًا» ، النَّمْلُ مَسَاكِنُهَا تَحْتَ الْأَرْضِ، وَاحْتِرَازُهَا عَنِ الْآفَاتِ، وَفِي لُزُومِ مَسْكَنِهَا، فَإِذَا ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ تَعَرَّضَتْ لِلْآفَاتِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النمل: 18] ، فَإِذَا نَبَتَ لَهَا جَنَاحٌ نَهَضَتْ لِلطَّيَرَانِ عَلَى ضَعْفٍ، فَسَقَطَتْ فِي مَاءٍ، فَغَرِقَتْ، أَوْ فِي نَارٍ وَاحْتَرَقَتْ، أَوْ فِي فَمِ طَائِرٍ فَابْتَلَعَهَا، أَوْ بَعُدَتْ عَنْ مَسَاكِنِهَا، فَلَمْ يُهْتَدَ إِلَيْهَا، وَفِي هَذَا فَسَادُهَا وَهَلَاكُهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَثَلًا لِكُلِّ مُتَعَدٍّ طَوْرَهُ، وَمُجَاوِزٍ قَدْرَهُ بِنَظَرِهِ إِلَى نَفْسِهِ بِقُوَّةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ عُمْرٍ، أَوْ آلَةٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: 178] ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينٍ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55] وَقَوْلُهُ: «لَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِالنَّمْلَةِ صَلَاحًا مَا أَنَبْتَ لَهَا جَنَاحًا» ، دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ الْقَوْلِ بِالْأَصْلَحِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ بِمَنْ شَاءَ مَا شَاءَ مِنْ صَلَاحٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يَسْأَلُونَ
اسم الکتاب :
بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار
المؤلف :
الكلاباذي، أبو بكر
الجزء :
1
صفحة :
159
««الصفحة الأولى
«الصفحة السابقة
الجزء :
1
الصفحة التالیة»
الصفحة الأخيرة»»
««اول
«قبلی
الجزء :
1
بعدی»
آخر»»
صيغة PDF
شهادة
الفهرست
إن مکتبة
مدرسة الفقاهة
هي مكتبة مجانية لتوثيق المقالات
www.eShia.ir