responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 149
§حَدِيثٌ آخَرُ

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: ح أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ح كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: ح عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§طَبَقَاتُ أُمَّتِي خَمْسُ طَبَقَاتٍ، كُلُّ طَبَقَةٍ مِنْهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَطَبَقَتِي وَطَبَقَةُ أَصْحَابِي أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ إِلَى الثَّمَانِينَ أَهْلُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالطَّبَقَةُ الْأُخْرَى إِلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ أَهْلُ التَّرَاحُمِ وَالتَّوَاصُلِ، وَالطَّبَقَةُ الْأُخْرَى إِلَى سِتِّينَ وَمِائَةٍ أَهْلُ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَالطَّبَقَةُ الْأُخْرَى إِلَى الْمِائَتَيْنِ أَهْلُ الْهَرْجِ وَالْهَرَبِ، ثُمَّ تَرْبِيَةُ جَرْوٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ خَيْرٌ مِنْ تَرْبِيَةِ وَلَدٍ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعِلْمُ تَبَيُّنُ الشَيْءِ كَمَا هُوَ، وَالْإِيمَانُ التِّيَقُّنُ بِهِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ لَهُ، فَالْعِلْمُ لِلْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ الْبَصَرِ لِلرَّأْسِ، فَمَا أَدْرَكَهُ الْبَصَرُ سُمِّيَ رُؤْيَةً، وَمَا أَدْرَكَهُ الْقَلْبُ سُمِّيَ عِلْمًا، وَالْيَقِينُ لِلْفُؤَادِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ لِلْقَلْبٍ، فَمَا أَدْرَكَهُ الْفُؤَادُ سُمِّيَ يَقِينًا، وَالْفُؤَادُ دَاخِلَ الْقَلْبِ وَبَاطِنَهُ، وَالْقَلْبُ ظَاهِرَهُ، وَالصَّدْرُ سَاحَةُ الْقَلْبِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَطَبَقَتِي وَطَبَقَةُ أَصْحَابِي أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ» أَيْ: هُمْ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ، وَأَصْحَابُ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَيْءِ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ كُشُوفِ ذَلِكَ الْمَعْلُومِ، فَظُهُورُهُ لِلْقَلْبِ، كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ لِلْبَصَرِ لَا يَقَعُ لِلْبَصَرِ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ وَالسَّوَاتِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ، إِذْ بَعْدُ شُهُودُ الْفُؤَادِ، كَمَا أَنَّ الْمَرْئِيَّ تُعْرَضُ فِيهِ الشُّكُوكُ وَالْخَوَاطِرُ، وَالْيَقِينُ شُهُودُ الْفُؤَادِ لِلشَّيْءِ الْمَعْلُومِ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ الشَيْءَ وَيَعْتَرِضَهُ فِيهِ الشُّكُوكُ وَالْخَوَاطِرُ لِبُعْدِهِ عَنِ الْبَصَرِ، أَوْ عِلَّةٍ تَحْدُثُ فِي الْبَصَرِ، وَكَأَنَّ الْمَرْئِيَّ مَحْدُودٌ لَهُ كَيْفِيَّةٌ، فَإِذَا شَهِدَ الرَّأْيَ الْمَرْئِيَّ شُهُودَ حُضُورٍ وَلَمْ يَحْدُثْ فِي الْبَصَرِ عِلَّةٌ رَأَى الشَيْءَ كَمَا هُوَ، فَالْيَقِينُ لِلْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ الشُّهُودِ لِلْبَصَرِ، فَإِذَا شَهِدَ الْقَلْبُ الْمَعْلُومَ، وَأَبْصَرَهُ بِعَيْنِ الْفُؤَادِ الَّذِي هُوَ الْيَقِينُ زَالَتْ عَنْهُ الْعَوَارِضُ وَالشُّكُوكُ، فَصَدَّقَ بِهِ، فَالْعِلْمُ صِفَةٌ لِلْقَلْبِ السَّلِيمِ، وَالْقَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ -[150]- إِلَى الْخَلْقِ نَظَرٌ، وَلَا لِلنَّفَسِ عِنْدَهُ خَطَرٌ، وَلَا لِلدُّنْيَا فِيهِ أَثَرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] ، وَالْيَقِينُ صِفَةٌ لِلْفُؤَادِ الشَّاهِدِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] ، قِيلَ: شَهِيدُ الْفُؤَادِ أَيْ: رَأَى لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] فَوَصَفَ الْفُؤَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا يَشُوبُهَا خَاطِرُ شَكٍّ، وَلَا عَارِضُ رَيْبٍ، فَالْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ صِفَتَانِ لِلْقُلُوبِ السَّالِمَةِ، وَالْأَفْئِدَةِ الشَّاهِدَةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ» ، أَنَّهُمْ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ السَّلِيمَةِ الَّتِي كُشِفَتْ لَهَا أَسْتَارُ الْغُيُوبِ، حَتَّى صَارَ الْغَيْبُ لَهُمْ شُهُودًا، وَأَنَّهُمْ أَصْحَابُ أَفْئِدَةِ الشَّاهِدَةِ الْحَاضِرَةِ لِمَا كُوشِفَ لَهَا، الْمُوقِنَةُ بِهَا، الْمُصَدِّقُ لَهَا، كَأَنَّهَا لَهَا حَاضِرَةٌ، وَهِيَ لَهَا شَاهِدَةٌ. فَقَدْ قَالَ حَارِثَةُ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يُعَذَّبُونَ , وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّا كُنَّا نَتَرَاءَى اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ يَعْنِي فِي الطَّوَافِ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْغَيْبِ مِنْ دُونِ سِتْرٍ رَقِيقٍ. فَهَذِهِ أَوْصَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ لَيْسَ مَنْ عَايَنَهُمْ، فَمَا ظَنُّكَ بِالصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ، وَالْفَارُوقِ، وَذِي النُّورَيْنِ الْأَنْوَرِ، وَالْعَلِيِّ الْأَزْهَرِيِّ؟ إِلَى سَائِرِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ، وَأَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الْمَرْضِيِّ عَنْهُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ

اسم الکتاب : بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار المؤلف : الكلاباذي، أبو بكر    الجزء : 1  صفحة : 149
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست