responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرد على الجهمية المؤلف : الدارمي، أبو سعيد    الجزء : 1  صفحة : 98
162 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَنَّهُ سُئِلَ: §بِمَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: «بِأَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ» قَالَ: قُلْتُ: بِحَدٍّ؟ قَالَ: «فَبِأَيِّ شَيْءٍ؟» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْحُجَّةُ لِقَوْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] . فَلِمَاذَا يَحُفُّونَ حَوْلَ الْعَرْشِ إِلَّا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَحَفُّوا بِالْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، لَا بِالْعَرْشِ -[99]- دُونَهَا، فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ لِلْحَدِّ، وَأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَالْمَلَائِكَةَ حَوْلَهُ حَافُّونَ يُسَبِّحُونَهُ وَيُقَدِّسُونَهُ، وَيَحْمِلُ عَرْشَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ، وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7] .

164 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَسَمِعْتُ مُحْتَجًّا، يَحْتَجُّ عَنْهُمْ فِي إِنْكَارِهِمُ الْحَدَّ وَالنُّزُولَ، وَفِي قَوْلِهِمْ: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، بِحَدِيثِ: " أَرْبَعَةُ أَمْلَاكٍ الْتَقَوْا: أَحَدُهُمْ جَاءَ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَالْآخَرُ مِنَ الْمَغْرِبِ، وَالثَّالِثُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالرَّابِعُ مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالُوا أْرَبَعَتُهُمْ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: إِنَّ أَفْلَسَ النَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَفْقَرَهُمْ فِيهِ الَّذِي لَا يَجِدُ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي تِلْكَ الْأَبْوَابِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْحَدِيثِ أَفْلَسُ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَوْ صَحَّ كَانَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ أَلْجَأَتْهُمُ الضَّرُورَةُ إِلَى هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ، لِأَنَّهُمْ لَوْ وَجَدُوا حَدِيثًا مَنْصُوصًا فِي دَعْوَاهُمْ لَاحْتَجُّوا بِهِ لَا بِهَذَا، وَلَكِنْ حِينَ أَيِسُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَعْيَاهُمْ طَلَبُهُ تَعَلَّقُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمُشْتَبِهِ عَلَى جُهَّالِ النَّاسِ لِيُرَوِّجُوا بِسَبَبِهِ عَلَيْهِمْ أُغْلُوطَةً، وَسَنُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمُ.

165 - قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ مْفَهُومًا مَعْقُولًا، لَا لَبْسَ لَهُ، أَنَّهُمْ جَاءُوا كُلُّهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا قَالُوا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَسَمَاوَاتُهُ فَوْقَ أَرْضِهِ كَالْقُبَّةِ، وَكَمَا وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ يُنَزِّلُ مَلَائِكَةً مِنْ عِنْدِهِ بِالْمَشْرِقِ، وَمَلَائِكَةً بِالْمَغْرِبِ -[100]-، وَمَلَائِكَةً إِلَى تُخُومِ الْأَرْضِ، لِلْأَمْرِ مِنْ أُمُورِهِ، وَلِرَحْمَتِهِ، وَلِعَذَابِهِ، وَلِمَا يَشَاءُ مِنْ أُمُورِهِ، فَلَوْ أَنْزَلَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ بِالْمَشْرِقِ، وَالثَّانِي بِالْمَغْرِبِ، وَالثَّالِثَ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى تُخُومِ الْأَرْضِ لِلْأَمْرِ مِنْ أُمُورِهِ، ثُمَّ عَرَجُوا مِنْهَا، وَالْتَقَوْا جَمِيعًا فِي مُلْتَقًى مِنَ الْأَرْضِ مَعَ رَابِعٍ، نَزَلَ مِنْ مُلْتَقَاهُمْ مِنَ السَّمَاءِ، فَسُئِلُوا جَمِيعًا مَنْ أَيْنَ جَاءُوا، فَقَالُوا جَمِيعًا: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ صَحِيحًا عَلَى مَذْهَبِنَا، لَا عَلَى مَذْهَبِكُمْ، لِأَنَّ كُلًّا بَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ، وَكُلًّا نَزَلُوا مِنْ عِنْدِهِ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَوْ نَزَلَ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ فِي مِائَةِ أَلْفِ مَكَانٍ مِنَ الْأَرْضِ لَجَاءُوا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا قِيلَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ السَّمَاءِ، وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَوَاتِ، وَبَعْضُهُمْ حَافُّونَ بِعَرْشِهِ، فَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] ، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ لِتَحْقِيقِ مَا ادَّعَيْنَا لِلْحَدِّ، فَإِنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلِإِبْطَالِ دَعْوَى الَّذِينَ ادَّعَوْا أَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ مَا كَانَ لِخُصُوصِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ {عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف: 206] مَعْنًى، بَلْ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَسَائِرُ الْخَلْقِ كُلُّهُمْ عِنْدَ رَبِّكَ فِي دَعْوَاهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذْ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِذًا لَذَهَبَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَنْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَا يَسْجُدُ لَهُ، وَلَكِنْ خَصَّ اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَهُ فِي السَّمَوَاتِ، فَأَوْطِئُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَاقْرَعُوا بِهَا رُءُوسَهُمْ عِنْدَ دَعْوَاهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فِي -[101]- كُلِّ مَكَانٍ، فَإِنَّهَا آخِذَةٌ بِحُلُوقِهِمْ، لَا مَفَرَّ لَهُمْ مِنْهَا إِلَّا بِجُحُودٍ، فَإِنْ أَقَرُّوا أَنَّهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، فَقَدْ أَصَابُوا مَا أَرَادَ اللَّهُ، وَنَقَضُوا قَوْلَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْحَدِّ، وَأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ، وَالْمَلَائِكَةَ عِنْدَهُ: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ، وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] ، وَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِهِ كَانُوا بِذَلِكَ جَاحِدِينَ لِتَنْزِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَلْزَمُهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا لِجَمِيعِ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَعَبْدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَكَفَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوسِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ {عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ عِنْدَهُ كَذَلِكَ صِفَاتُهُمْ، فَإِنْ يَكُنِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ عِنْدَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ، وَكُلٌّ يُسَبِّحُ لَهُ، وَيَسْجُدُ لَهُ، وَلَا يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَجَحَدَ بِآيَاتِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَوَصَفَ كُفَّارَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَعَبْدَةِ الْأَوْثَانِ بِالْعُتُوِّ وَالِاسْتِكْبَارِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَالنُّفُورِ عَنْ طَاعَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} . {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ، أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} [الفرقان: 60] . فَافْهَمُوا هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهَا قَاطِعَةٌ لِحُجَجِهِمْ

اسم الکتاب : الرد على الجهمية المؤلف : الدارمي، أبو سعيد    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست