responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرد على الجهمية المؤلف : الدارمي، أبو سعيد    الجزء : 1  صفحة : 32
§بَابُ الْإِيمَانِ بِالْعَرْشِ وَهُوَ أَحَدُ مَا أَنْكَرَتْهُ الْمُعَطِّلَةُ

33 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَمَا ظَنَنَّا أَنَّا نُضْطَرُّ، إِلَى الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ فِي إِثْبَاتِ الْعَرْشِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، حَتَّى ابْتُلِينَا بِهَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُلْحِدَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ، فَشَغَلُونَا بِالِاحْتِجَاجِ لِمَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ الْأُمَمُ قَبْلَنَا، وَإِلَى اللَّهِ نَشْكُو مَا أَوْهَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ، وَإِلَيْهِ نَلْجَأُ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ.

34 - وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ الْعَرْشَ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] . {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] . فِي آيٍ كَثِيرَةٍ سِوَاهَا.

35 - فَادَّعَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْعَرْشِ وَيُقَرُّونَ بِهِ، لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: مَا إِيمَانُكُمْ بِهِ إِلَّا كَإِيمَانِ: {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] . وَكَالَّذِينَ {إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا -[33]- نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} . أَتُقِرُّونَ أَنَّ لِلَّهِ عَرْشًا مَعْلُومًا مَوْصُوفًا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَاللَّهُ فَوْقَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؟ فَأَبَى أَنْ يُقِرَّ بِهِ كَذَلِكَ، وَتَرَدَّدَ فِي الْجَوَّابِ، وَخَلَطَ وَلَمْ يُصَرِّحْ.

36 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقَالَ لِي زَعِيمٌ مِنْهُمْ كَبِيرٌ: لَا، وَلَكِنْ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، يَعْنِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ، سَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ عَرْشًا لَهُ، وَاسْتَوَى عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ.

37 - قُلْتُ: لَمْ تَدَعُوا مِنْ إِنْكَارِ الْعَرْشِ وَالتَّكْذِيبِ بِهِ غَايَةً، وَقَدْ أَحَاطَتْ بِكُمُ الْحُجَجُ مِنْ حَيْثُ لَا تَدْرُونَ، وَهُوَ تَصْدِيقُ مَا قُلْنَا إِنَّ إِيمَانَكُمْ بِهِ كَإِيمَانِ {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] . فَقَدْ كَذَّبَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَكَذَّبَكُمْ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَرَأَيْتُمْ قَوْلَكُمْ: إِنَّ عَرْشَهُ سَمَوَاتُهُ وَأَرْضُهُ وَجَمِيعُ خَلْقِهِ، فَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ عِنْدَكُمْ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7] . أَحَمَلَةُ عَرْشِ اللَّهِ، أَمْ حَمَلَةُ خَلْقِهِ؟ . وَقَوْلُهُ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] . أَيَحْمِلُونَ السَّمَوَاتَ وَالْأَرْضَ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَمْ عَرْشَ الرَّحْمَنِ؟، فَإِنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ قَوْلَكُمْ هَذَا، يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا: عَرْشُ رَبِّكَ: خَلْقُ رَبِّكَ أَجْمَعُ، وَتُبْطِلُونَ الْعَرْشَ الَّذِي هُوَ الْعَرْشُ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي بُطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، وَتَكْذِيبٌ بِعَرْشِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

38 - فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ -[34]- أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» . فَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ مَخْلُوقًا عَلَى الْمَاءِ، إِذْ لَا أَرْضَ وَلَا سَمَاءَ، فَلِمَ تُغَالِطُونَ النَّاسَ بِمَا أَنْتُمْ لَهُ مُنْكَرُونَ؟ وَلَكِنَّكُمْ تُقِرُّونَ بِالْعَرْشِ بِأَلْسِنَتِكُمْ تَحَرُّزًا مِنْ إِكْفَارِ النَّاسِ إِيَّاكُمْ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، فَتُضْرَبَ عَلَيْهِ رِقَابُكُمْ، وَعِنْدَ أَنْفُسِكُمْ أَنْتُمْ بِهِ جَاحِدُونَ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ أَهْلَ الْجَهْلُ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِكُمْ، إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَمْرِكُمْ لَعَلَى يَقِينٍ، أَوْ كَمَا قُلْتُ لَهُمْ، زَادَ أَوْ نَقَصَ

اسم الکتاب : الرد على الجهمية المؤلف : الدارمي، أبو سعيد    الجزء : 1  صفحة : 32
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست