في محله أيضًا.
فإن قيل: هذا المحذور الناشيء من جواز النفي في المجاز واقع في الحقيقة أيضًا، فإن بعض الحقائق يجوز نفيه كقول العرب لقليل الفائدة: هو ليس بشيء، وإذًا يلزم منع الحقيقة في القرآن أيضًا للمانع الذي منعتم به المجاز وهو جواز النفي.
فجوابه الجدلي أن نقول: سلب الحقيقة مجاز على قولكم، والمجاز يجوز نفيه على قولكم أيضًا، فنقول: قولكم: "ليس بشيء"، يجوز نفيه لأنه مجاز؛ بل هو شيء على الحقيقة. ومعلوم أن نفي النفي إثبات.
وجوابه الحقيقي: أن إطلاق النفي على بعض الحقائق باعتبار عدم فائدتها أسلوب من أساليب اللغة العربية، وهو حقيقة في محله، مفهوم من قرينه حاله أنه لم يقصد نفي الحقيقة من أصلها، وإنما قصد نفي فائدتها، كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكهان: "ليْسُوا بشيء".
وكسلب الحياة والسمع والبصر عن الكفار في القرآن في آيات كثيرة، وأمثال ذلك كثيرة جدًّا في الكتاب والسنة وكلام العرب.
فإن قيل: هذه الأشياء التي ذكرتم منعها في القرآن مع جوازها في اللغة، ظهر وجه منعها في القرآن، فما الدليل على منع المجاز فيه؟
فالجواب من وجهين:
الأول: هو ما قدمنا من أن القائلين به يجيزون نفيه، فيلزم على القول به في القرآن جواز نفي بعض القرآن، وهذا لا محذور أكبر منه.