فصل
في الإجابة على مما ادُّعِيَ فيه المجاز
فإن قيل: ما تقول أيُّها النافي للمجاز في القرآن في قوله تعالى: (جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) [سورة الكهف: 77] . وقوله: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) [سورة يوسف: 82] . وقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الآية [سورة الشورى: 11] . وقوله: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) الآية [سورة الإسراء: 24] ؟.
فالجواب: أَنَّ قولَه: (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) لا مانعَ من حمله على حقيقة الإرادة المعروفةِ في اللغة، لأَنَّ الله يعلمُ للجماداتِ ما لا نعلمُه لها كما قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الآية [سورة الإسراء: 44] .
وقد ثَبتَ في "صحيح البخاريَ" حنَينُ الجذْع الذي كان يخطبُ عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وثبتَ في "صحيحِ مسلم" أنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إني أعرفُ حَجَرا كانَ يسلمُ عَلَيَّ في مكةَ".
وأمثالُ هذا كثيرةٌ جدًّا، فلا مانِعَ من أن يَعْلمَ اللهُ من ذلكَ الجدار إرادة الانقضاض. ويُجابُ عن هذه الآية -أيضا- بمَا قدَّمنَا من أنَّه لا مانعَ من كونِ العرب تستعملُ الإرادةَ عنْدَ الإطلاق في معناها المشهورِ، وتستعملُها في الميلِ عند دلالة القرينة على ذلك. وكلا