الوجه الثالث: أن في كل نوبة من نوبات هذا النزول المنجم معجزة جديدة غالبا حيث تحداهم كل مرة أن يأتوا بمثل نوبة من نوب التنزيل فظهر عجزهم عن المعارضة وضاقت عليهم الأرض بما رحبت. ولا شك أن المعجزة تشد أزره وترهف عزمه باعتبارها مؤيدة له ولحزبه. خاذلة لأعدائه ولخصمه.
الوجه الرابع: أن في تأييد حقه ودحض باطل عدوه المرة بعد الأخرى تكرارا للذة فوزه وفلجه بالحق والصواب وشهوده لضحايا الباطل في كل مهبط للوحي والكتاب. وإن كل ذلك إلا مشجع للنفس مقو للقلب والفؤاد والفرق بين هذا الوجه والذي قبله هو الفرق بين الشيء وأثره أو الملزوم ولازمه فالمعجزة من حيث إنها قوة للرسول ومؤيدة له مطمئنة له ومثبتة لفؤاده بقطع النظر عن أثر انتصاره وهزيمة خصمه بها
ثم إن هذا الأثر العظيم وحده مطمئن لقلبه الكريم ومثبت لفؤاده أيضا, أشبه شيء بالسلاح وجوده في يد الإنسان مطمئن له ولو لم يستعمله في خصمه ثم انتصار الإنسان وهزيمة خصمه به إذا أعمل فيه مطمئن للفؤاد مريح للقلب مرة أخرى.
الوجه الخامس: تعهد الله إياه عند اشتداد الخصام بينه وبين أعدائه بما يهون عليه هذه الشدائد ولا ريب أن تلك الشدائد كانت تحدث في أوقات متعددة فلا جرم كانت التسلية تحدث هي الأخرى في مرات متكافئة.
فكلما أحرجه خصمه سلاه ربه. وتجيء تلك التسلية تارة عن طريق قصص الأنبياء والمرسلين التي لها في القرآن عرض طويل وفيها يقول الله: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} من سورة هود. وتارة تجيء التسلية عن طريق وعد الله لرسوله بالنصر والتأييد والحفظ كما في قوله سبحانه في سورة الطور: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} وقوله في سورة المائدة: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ونحو ما في