صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف". وهو حديث مشهور بل قيل فيه بالتواتر كما سيأتي.
لكن النزول في استعمال اللغة يطلق ويراد به الحلول في مكان والأوي به. ومنه قولهم نزل الأمير المدينة
والمتعدي منه وهو الإنزال يكون معناه إحلال الغير في مكان وإيواءه به. ومنه قوله جل ذكره: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} ويطلق النزول إطلاقا آخر في اللغة على انحدار الشيء من علو إلى سفل نحو نزل فلان من الجبل. والمتعدي منه يكون معناه تحريك الشيء من علو إلى سفل ومنه قوله سبحانه: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} .
ولا ريب أن كلا هذين المعنيين لا يليق إرادته هنا في إنزال الله للقرآن ولا في نزول القرآن من الله لما يلزم هذين المعنيين من المكانية والجسمية. والقرآن ليس جسما حتى يحل في مكان أو ينحدر من علو إلى سفل سواء أردنا به الصفة القديمة المتعلقة بالكلمات الغيبية الأزلية أم أردنا به نفس تلك الكلمات أم أردنا به اللفظ المعجز لما علمت من تنزه الصفة القديمة ومتعلقها وهو الكلمات الغيبية عن الحوادث وأعراض الحوادث ولما تعرفه من أن الألفاظ أعراض سيالة تنقضي بمجرد النطق بها كما يقولون.
إذن فنحن بحاجة إلى التجوز والمجاز بابه واسع وميدانه فسيح. وليكن المعنى المجازي لإنزال القرآن هو الإعلام في جميع إطلاقاته. أما على أن المراد بالقرآن الصفة القديمة أو متعلقها فإنزاله: الإعلام به بواسطة ما يدل عليه من النقوش بالنسبة لإنزاله في اللوح المحفوظ وفي بيت العزة من السماء الدنيا وبواسطة ما يدل عليه من الألفاظ الحقيقية بالنسبة لإنزاله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم والعلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي هي اللزوم لأن إنزال شيء إلى شيء يستلزم إعلام من أنزل إليه ذلك الشيء به إن كان عاقلا ويستلزم إعلام من يطلع عليه من الخلق به مطلقا وإذن فالمجاز مرسل.