كل أولئك كان يغنيهم عن الشكل. ولكن حين دخلت الإسلام أمم جديدة منهم العجم الذي لا يعرفون العربية بدأت العجمة تحيف على لغة القرآن. بل قيل إن أبا الأسود الدؤلي سمع قارئا يقرأ قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} . فقرأها بجر اللام من كلمة رسوله. فأفزع هذا اللحن الشنيع أبا الأسود وقال: عز وجه الله أن يبرأ من رسوله. ثم ذهب إلى زياد والي البصرة وقال له وقد أجبتك إلى ما سألت. وكان زياد قد سأله أن يجعل للناس علامات يعرفون بها كتاب الله فتباطأ في الجواب حتى راعه هذا الحادث.
وهنا جد جده وانتهى به اجتهاده إلى أن جعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف وجعل علامة الكسر نقطة أسفله وجعل علامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف وجعل علامة السكون نقطتين.
طفق الناس ينهجون منهجه ثم امتد الزمان بهم فبدؤوا يزيدون ويبتكرون حتى جعلوا للحرف المشدد علامة كالقوس ولألف الوصل جرة فوقها أو تحتها أو وسطها على حسب ما قبلها من فتحة أو كسرة أو ضمة. ودامت الحال على هذا حتى جاء عبد الملك بن مروان فرأى بنافذ بصيرته أن يميز ذوات الحروف من بعضها وأن يتخذ سبيله إلى ذلك التمييز بالإعجام والنقط على نحو ما تقدم تحت العنوان السابق. وهنالك اضطر أن يستبدل بالشكل الأول الذي هو النقط شكلا جديدا هو ما نعرفه اليوم من علامات الفتحة والكسرة والضمة والسكون. والذي اضطره إلى هذا الاستبدال أنه لو أبقى العلامات الأولى على ما هي عليه نقطا ثم جاءت هذه الأخرى نقطا كذلك لتشابها واشتبه الأمر. فميز بين الطائفتين بهذه الطريقة. ونعما فعل.
حكم نقط المصحف وشكله
كان العلماء في الصدر الأول يرون كراهة نقط المصحف وشكله مبالغا منهم في المحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف وخوفا من أن يؤدي ذلك إلى التغيير فيه.