وكأن ذلك كان إرهاصا من الله وتمهيدا لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وتقرير دين الإسلام وتسجيل الوحي المنزل عليه بالقرآن لأن الكتابة أدعى إلى حفظ التنزيل وضبطه وأبعد عن ضياعه ونسيانه.
وكادت تتفق كلمة المؤرخين على أن قريشا في مكة لم تأخذ الخط إلا عن طريق حرب بن أمية بن عبد شمس. لكنهم اختلفوا فيمن أخذ عنه حرب. فرواية أبي عمرو الداني تذكر أنه تعلم الخط من عبد الله بن جدعان وفيها يقول زياد بن أنعم قلت لابن عباس معاشر قريش هل كنتم تكتبون في الجاهلية بهذا الكتاب العربي تجمعون فيه ما اجتمع وتفرقون فيه ما افترق هجاء بالألف واللام والميم والشكل والقطع وما يكتب به اليوم؟ قال ابن عباس: نعم. قلت: فمن علمكم الكتابة؟ قال حرب بن أمية قلت: فمن علم حرب بن أمية؟ قال عبد الله بن جدعان قلت: فمن علم عبد الله بن جدعان؟ قال: أهل الأنبار قلت: فمن علم أهل الأنبار؟ قال: طارئ طرأ عليهم من أهل اليمن من كندة قلت: فمن علم ذلك الطارئ؟ قال: الخلجان بن الموهم كان كاتب هود نبي الله عز وجل.
أما رواية الكلبي فتقص علينا أن حربا تعلم الكتابة من بشر بن عبد الملك وفيها يقول عوانة: أول من كتب بخطنا هذا وهو الجزم مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة وكذا عامر بن جدرة وهم من عرب طيىء تعلموه من كاتب الوحي لسيدنا هود عليه السلام ثم علموه أهل الأنبار ومنهم انتشرت الكتابة في العراق والحيرة وغيرهما. فتعلمها بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل وكان له صحبة بحرب بن أمية لتجارته عندهم في بلاد العراق فتعلم حرب منه الكتابة ثم سافر معه بشر إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب أخت أبي سفيان فتعلم منه جماعة من أهل مكة اهـ.