وقد كثرت هجمات أعداء الإسلام من هذه الناحية كثرة فاحشة بحيث إذا استقصينا شبهاتهم كلها ضاق بنا نطاق هذا التأليف وخرجنا جملة من الجو العلمي الهادىء اللذيذ إلى ميدان صاخب بالقيل والقال والصيال والجدال والدفاع والنضال.
وكذلك كثرت هجمات أعداء الإسلام على السنة النبوية من ناحية الصحابة أيضا فتارة يستكثرون عليهم أن يكونوا قد حفظوا الحديث الشريف وهو موسوعات كبيرة وتارة يتهمونهم بالخيانة والتزيد وعدم التثبت والتحري ويبنون على ذلك مفتريات ما أنزل الله بها من سلطان.
يريدون بهذه الاتهامات الجريئة للصحابة أن يزعزعوا ثقة الناس بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يفتنوا المسلمين عن دينهم وحتى يقيموا الحواجز والعواثير في طريق غير المسلمين مخافة أن يجتذبهم الإسلام إليه بمحاسنه الأخاذة وقوته المحولة وتعاليمه الوضاءة.
وبرغم أن شبهات القوم كلها متشابهة وطرق دفعها هي الأخرى متشابهة فإن واجب الحيطة والحذر يقتضينا بعد ما تقدم أن نقيم خطا منيعا من خطوط الدفاع عن الكتاب والسنة وأن نؤلف هذا الخط من جبهتين قويتين الجبهة الأولى تطاول السماء بتجلية الدواعي والعوامل التي توافرت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت منهم كثرة غامرة يحفظون القرآن والحديث وينقلونهما نقلا متواترا مستفيضا. والجبهة الثانية تفاخر الجوزاء بنظم الدواعي والعوامل التي توافرت فيهم رضوان الله عليهم حتى جعلتهم يتثبتون أبلغ تثبت وأدقه في القرآن وجمع القرآن وكل ما يتصل بالقرآن وفي الحديث الشريف وكل ما يتصل بالحديث الشريف.
وإني أستمنح الله فتوحا وتوفيقا في هذه المحاولة الجليلة {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} .