روى أبو بكر الأنباري عن سويد بن غفلة قال: سمعت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول: "يا معشر الناس: اتقوا الله وإياكم والغلو في عثمان وقولكم: حراق مصاحف فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعن عمر بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان" رضي الله عن الجميع وجزاهم أحسن الجزاء على هذا الصنيع.
فذلكة:
تستطيع مما سبق أن تفرق بين مرات جمع القرآن في عهوده الثلاثة: عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعهد عثمان رضي الله عنهما فالجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورها ولكن مع بعثرة الكتابة وتفرقها بين عسب وعظام وحجارة ورقاع ونحو ذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة وكان الغرض من هذا الجمع زيادة التوثق للقرآن وإن كان التعويل أيامئذ كان على الحفظ والاستظهار.
أما الجمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه فقد كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتب الآيات أيضا مقتصرا فيه على ما لم تنسخ تلاوته مستوثقا له بالتواتر والإجماع. وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة مجموعا مرتبا خشية ذهاب شيء منه بموت حملته وحفاظه.
وأما الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه فقد كان عبارة عن نقل ما في تلك الصحف في مصحف واحد إمام واستنساخ مصاحف منه ترسل إلى الآفاق الإسلامية ملاحظا فيها تلك المزايا السالف ذكرها مع ترتيب سوره وآياته جميعا. وكان الغرض منه إطفاء الفتنة