الشبهة الثانية
يقولون: إن قصر السور والآيات المكية مع طول السور والآيات المدنية يدل على انقطاع الصلة بين القسم المكي والقسم المدني ويدل على أن القسم المكي يمتاز بمميزات الأوساط المنحطة ويدل على أن القرآن في نمطه هذا نتيجة لتأثر محمد بالوسط والبيئة فلما كان في مكة أميا بين الأميين جاءت سور المكي وآياته قصيرة ولما وجد في المدينة بين مثقفين مستنيرين جاءت سور المدني وآياته طويلة وغرضهم من إلقاء هذه الشبهة التشكيك في أن القرآن من عند الله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} .
وننقض شبهتهم هذه بما يأتي:
أولا- أن في القسم المكي سورا طويلة مثل سورة الأنعام وفي القسم المدني سورا قصيرة مثل سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فكلاهما لا يسلم على عمومه.
ثانيا - إذا أرادوا الكثرة الغالبة لا الكلية الشاملة فهذا نسلمه لهم بيد أنه لا يدل على ما افتروه ورتبوه عليه لأن قصر معظم السور المكية وآياتها وطول معظم السور المدنية وآياتها لا يقطع الصلة بين قسمي القرآن: مكية ومدنية ولا بين سور القرآن وآياته جميعا. بل الصلة كما يحسها كل صاحب ذوق في البلاغة محكمة وشائعة بين كافة أجزاء التنزيل. وقد تفنن العلماء وأشبعوا الحديث عن هذه المناسبات في غضون تفسيرهم لكتاب الله. وتقدم تقرير هذا التناسب البارع في صفحة 81.
على أنك تلاحظ آيات مكية منبثة بين آيات سور مدنية وتلاحظ آيات مدنية منبئة بين آيات سور مكية. وبرغم ذلك لا يكاد أحد يحس التفاوت أو التفكك