غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي: "يا أبي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه: أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها. فقلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي. وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم". اهـ.
واعلم أن معنى قول أبي بن كعب رضي الله عنه فسقط في نفسي من التكذيب الخ أن الشيطان ألقى إليه من وساوس التكذيب ما شوش عليه حاله حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن القراءتين وصوبهما على ما بينهما من اختلاف وكانتا في سورة واحدة هي سورة النحل على ما رواه الطبري. وكأن الذي مر بخاطره وقتئذ أن هذا الاختلاف في القراءة ينافي أنه من عند الله. لكنه كان خاطرا من الخواطر الرديئة التي لا تنال من نفس صاحبها منالا ولا تفتنها عن عقيدة ولا يكون لها أثر باق ولا عمل دائم.
ومن رحمة الله بعباده أنه لا يؤاخذهم بهواجس النفوس وخلجات الضمائر العابرة. ولكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم حين يفتح الإنسان للشبهة صدره يوجه إليها اختياره وكسبه ثم يعقد عليها فؤاده وقلبه.
قال القرطبي فكان هذا الخاطر يشير إلى ما سقط في نفس أبي من قبيل ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم حين سألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "أوقد وحدتموه؟ " قالوا: نعم. قال: "ذلك صريح الإيمان". رواه مسلم اهـ.
ومن هذا تعلم أن ما خطر لسيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه لا يمس مقامه