يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}
فكان التناسب بينهما رائعا والصلة وثيقة والانسجام جميلا لأن هذه الآية تأمر بالأمانة في عمومها كما ترى وتلك الآيات تأمر بأمانة خاصة كما علمت وما أحكم الصلة بين العام والخاص. فكان ذلك شبيها بالسبب الخاص ينزل فيه لفظ عام فإذا كان تناول العام لأفراد الخاص مجمعا عليه ولا يصح خروجه بمخصص فكذلك الأمانة الخاصة التي معنا تنتظم في سلك الأمانة العامة انتظاما ممتازا وتدخل فيها دخولا أوليا حتى لو قيل إنه لا يجمل إخراجها منها بمخصص لم يبعد وذلك ما حدا بابن السبكي أن يجعلها مرتبة دون السبب وفوق التجرد. وإنما لم تجعل في مرتبة السبب لأن الأولى ليست سببا في الثانية ولأن المقارنة بينهما ليست إلا في ترتيب آيات القرآن ووضع بعضها بإزاء بعض وليست مقارنة زمانية في النزول بل إن بينهما مدى بعيدا فالثانية تأخرت عن الأولى بنحو ست سنين ولا يضر ذلك لأن تقارب الزمان ليس شرطا في وضع آية لصق آية تناسبها إنما هو شرط في أسباب النزول مع ما ينزل فيها بحسب.
ولعل من تمام الفائدة أن نسوق إليك ما جاء في جمع الجوامع للإمام ابن السبكي وشارحه جلال الدين المحلي في هذه المناسبة ونصه: ويقرب منها أي من صورة السبب حتى يكون قطعي الدخول أو ظنيه خاص في القرآن تلاه في الرسم أي رسم القرآن بمعنى وضعه مواضعه وإن لم يتله في النزول عام للمناسبة بين التالي والمتلو كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} الخ فإنه -كما قال أهل التفسير- إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فسألوهم: من أهدى سبيلا محمد وأصحابه أم نحن؟ فقالوا: أنتم مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم المنطبق عليه وأخذ المواثيق عليهم ألا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم