اسم الکتاب : مملكة النبات كما يعرضها القرآن ويصفها المؤلف : قنيبي، حامد صادق الجزء : 1 صفحة : 108
الْمَرْعَى} أي أنبت النبات جميعه، وما من نبت ينبت إلاّ وهو يصلح أن يكون مرعى لحيوان ما، ثم بعد ذلك أنبت النبات {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} ، والغثاء: هو الهشيم أو الهالك البالي، والأحوى: الذي يميل لونه إلى لون السواد[1].
{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى..} مثال على كمال الخلق والتسوية والهداية، والغثاء الأحوى إنما هو الفناء والإماتة وإزالة الحياة فكيف ذلك؟.. وهنا نقف وقفة قصيرة مع العلم الحديث لننظر ماذا قال هنا:
{فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} أي جعله بعد خضرته يابساً أسود.
وهل هناك نبات إذا جف صار يابسا أسود؟ لا يوجد فيما نعلم نبات هكذا؟
إذن فكيف أخرج الله تبارك وتعالى المرعى ثم جعله يابساً أسود، كيف ومتى.. ألا ينطبق هذا كل الانطباق على الفحم الحجري الذي تكوّن معظمه في حقب الحياة القديمة حينما ظهر النبات غير المزهر والسرخسيات بكثرة عظيمة، ثم تراكمت فوقها في بعض الجهات رواسب أخرى فتحولت إلى فحم حجري مع طول الزمن وارتفاع الضعط والحرارة؟!.. نعم، وهذا هو الغثاء الأحوى الذي تكلم عنه القرآن الكريم، وعلله فأصاب وأوجز؛ قال وأصاب في وقت كانت فيه مثل هذه الحقائق غريبة على عقول البشر، قال هذا فسبق العلم بقرون عديدة، أفليس هذا إعجازا؟.. بلى والله إنه نعم الإعجاز[2].
ونعلم أن أوّل النبات كانت الأعشاب والمراعي، وما من نبات إلا وهو صالح لخلق من خلق الله؛ فهي هنا أشمل مما نعهده من مرعى أنعامنا؛ فالله خلق هذه الأرض وقدّر فيها أقواتها لكل حي يدب فوق ظهرها، أو يختبئ في جوفها، أو يطير في جوها.
والمرعى يخرج في أول أمره خضرا، ثم يذوى فإذا هو غثاء، أميل إلى السواد فهو أحوى، وهو في كل حالاته صالح لأمر من أمور هذه الحياة بتقدير الذي خلق فسوّى وقد ر فهدى..
ثم يوقفنا التوجيه القرآني على أمسّ الأشياء إلى الإنسان، وهو طعامه وطعام أنعامه، وما وراء ذلك من تدبير الله وتقديره له: {فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً[3]، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً[4]، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً[5]، مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [6]. [1] تفسير جزء عم ص 52 بتصرف. جاء في لسان العرب أن الغثاء هو اليابس، والأحوى من الحوة وهو سواد إلى الخضرة أو حمرة إلى السواد، وقد كثر في كلام العرب حتى سموا كل أسود أحوى. [2] القرآن والعلم د/ أحمد محمود سليمان: ص 66- 67، دار العودة، بيروت، الطبعة الثانية 1974. [3] القضب: الرطب أو الثمار الغضة التي يتكرر قطف أشجارها أو العلف على اختلاف الأقوال. [4] غلبا: كثيفة الشجر. [5] الأب: المرعى على أوجه الأقوال [6] عبس: 24- 32
اسم الکتاب : مملكة النبات كما يعرضها القرآن ويصفها المؤلف : قنيبي، حامد صادق الجزء : 1 صفحة : 108