responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور المؤلف : أبو العلاء، عادل بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 38
القَوْل بِعَدَمِهِ، وَذَلِكَ لغموضه ودقته.. فتركوا هَذَا المسلك وَلم يحولوه إِلَى قُصُور أفهامهم. (…)
وَالثَّانِي - وَلَيْسَ بأدونَ من الأول، وَلَكِن الأول يتَعَلَّق بالمصنفين، وَالثَّانِي يتَعَلَّق بالناظرين فِي كَلَامهم -: هُوَ أَن أَكثر من ذهب إِلَى وجود النّظم - كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ، رَحمَه الله - قنع فِي هَذَا الْأَمر الصعب بِمَا هُوَ أَهْون من نسج العنكبوت، مَعَ سبقه الظَّاهِر فِي الْعُلُوم النظرية والذكاء؛ فَمن نظر فِي كَلَامه تَيَقّن بِأَن النّظم لَو كَانَ كَمَا يَدعِيهِ هَذَا الإِمَام المتبحِّر وَأَمْثَاله لما خَفِي عَلَيْهِ مَعَ خوضه فِيهِ. وَإِذ لَا يَأْتِي فِيهِ، هُوَ وَلَا غَيره، إِلَّا بِكُل ضَعِيف؛ فَلَا مطمع فِيهِ لأحد بعد هَؤُلَاءِ. فإمَّا بَقِي على قَوْله بِوُجُود النّظم، وَلَكِن يئس من علمه وأغلق بَابه، فَإِن سمع أحدا يَدعُوهُ إِلَيْهِ لم يسمعهُ. وَإِمَّا صَار إِلَى الرَّأْي الَّذِي ظَنّه أسلم، وَهُوَ أَن الْقُرْآن إِنَّمَا نزل منجَّماً مفرقاً، فَلَا يطْلب فِيهِ نظام.

جَاءَ هُنَا فِي حَاشِيَة الْكتاب:
((اعْلَم - هداك الله - أَن من أَسَاءَ الظَّن بهم، أولى بالْخَطَأ مِمَّن قصّر فِيهِ، فَإِن سوء الظَّن مِنْهُم مبنيٌّ على قلَّة مسامحتهم لهَؤُلَاء الأذكياء، وَقلة قدرهم لهَذَا الْعلم الشريف، فَإِنَّهُم لَو أنصفوا؛ لشكروا سَعْيهمْ. فَإِن من يَخُوض على الدرِّ فِي بَحر عميق لَا تَثْرِيب عَلَيْهِ إِن لم يفز بالفرائد، بل يسْتَحق الْمَدْح، وَلما فتح بَابا لمن يتبعهُم.. فكم ترك الأول للْآخر ‌ {وَلَا شكَّ أَن من بَين طرفا من النّظم لَهُ منَّةٌ على الْخلف، فَإِن هَذَا الْعلم لَا مطمع فِي بُلُوغ نهايته. وأيُّ علم استقصوه؟ ‌} فَمَا بالك بِمَا هُوَ بَحر لَا تَنْقَضِي عجائبه؟ ‌! ومحاسن نظم الْكَلَام لَا تُعرف كلهَا إِلَّا بعد استقصاء مَعَانِيه، وَذَلِكَ يُبقي أَكْثَرهَا مكنوناً.
فَالَّذِينَ أَنْكَرُوا وجود النظام فِي كتاب الله، بِمَا وجدوا من الضعْف فِي كَلَام الْقَائِلين بالنظم البليغ فِيهِ، وَإِن كَانُوا أقرب إِلَى الْخَطَأ مِمَّن أَسَاءَ بهم ظَنّه - فَإِنَّهُم أَيْضا معذورون فِي إنكارهم، لِأَن غرضهم لَيْسَ إِلَّا نفي ضعف النظام. فَإِن عدم الْقَصْد لشَيْء رُبمَا يكون صَحِيحا، وَلَكِن سوء التَّدْبِير لذَلِك الْغَرَض منقصة ظَاهِرَة. وَلَا شكّ أَن الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ على نمط متسق، بل يحتوي على عدَّة مطَالب مقتضبة بَعْضهَا عَن بعض، مَبْنِيَّة على أَسبَاب جَامِعَة خَارِجَة عَن معنى الْكَلَام، كَمَا ذهب إِلَيْهِ كثير من أكَابِر الْعلمَاء - لأبعدُ عَن النَّقْص من كَلَام قُصد فِيهِ الوحْدة من جِهَة النظام، ثمَّ كَانَ مختلَّ النّظم، أَو ضَعِيف الرِّبَاط. فَلَا شكّ أَن هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين لم يقصدوا إِلَّا تبرئة الْقُرْآن عَن كل منقصة)) .
اسم الکتاب : مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور المؤلف : أبو العلاء، عادل بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 38
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست