responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور المؤلف : أبو العلاء، عادل بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 35
الإِمَام عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ - وَكَذَلِكَ الْوُقُوف على مثل مَنْهَج الْأُسْتَاذ الْجَلِيل مَحْمُود مُحَمَّد شَاكر فِي تذوق الْبَيَان عُمُوما - توقف طَالب الْحق على هَذِه الْحَقِيقَة الْعَالِيَة، الَّتِي تقصُر دونهَا همم المتعجلين {وَلَوْلَا أَن الْمقَام لَا يسمح بمزيد من القَوْل فِي هَذَا؛ لألقيتُ عَلَيْهِ ضوءاً كاشفاً [1] .

[1] وَلَعَلَّ من تَتِمَّة الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن نذْكر أَن الصَّوَاب قد جَانب الْأُسْتَاذ الْجَلِيل الشَّيْخ عبد الحميد الفراهي - رَحمَه الله - فِي جَوَابه عَن هَذَا الْإِشْكَال الْأَخير.. فقد رده بِأَن قلَّل من قيمَة الشّعْر نَفسه} حَيْثُ قَالَ: ((زعم بعض الْعلمَاء أَن الْكَلَام المنظم الَّذِي يجْرِي إِلَى عمودٍ خَاص لَيْسَ من عَادَة الْعَرَب؛ فَإنَّك ترى فِي شعرهم اقتضاباً بَينا، فَلَو جَاءَ الْقُرْآن على غير أسلوبهم ثقل عَلَيْهِم. وَهَذَا زعم بَاطِل. فَإِن الْعَرَب كَانُوا يتلهَّون بالشعر، وَلَا يعدونه من المعالى، وَإِنَّمَا كَانُوا يعظّمون الْحُكَمَاء، وَيُحِبُّونَ الْخطب الحكيمة. وَلذَلِك كَانَ الْأَشْرَاف يأنفون عَن قَول الشّعْر وَأَن يعرفوا بِهِ، وَإِنَّمَا يستعملونه نزراً على وَجه الْحِكْمَة وَضرب الْمثل. ومحضُ الْوَزْن وَالنّظم لَا يعد شعرًا. إِن للشعر مَوَاضِع من فنون الْهزْل والإطراب، فَهُوَ على كل حالٍ من لَهو الحَدِيث..))
ثمَّ قَالَ - رَحمَه الله -: ((.. فَإِذا تبين لَك هَذَا الْفرق بَين الشّعْر وَالْبَيَان، وَأَن الْعَرَب لم يكن أَكثر كَلَامهم الجزل شعرًا.. فَهَل لَك بعد ذَلِك أَن تجْعَل الْقُرْآن على أسلوب الشّعْر وَأَنه مقتضب الْبَيَان كمثلة؟ {أَلا ترى كَيفَ جعل الله ذَلِك من ذمائم الشُّعَرَاء؟ وقدَّمه على الْكَذِب - مَعَ ظُهُور شناعة الْكَذِب} ؛ فنبَّه على أَن القَوْل من غير غَايَة وعمود ونظام أدلُّ على سخافة الْقَائِل، فَقَالَ - تَعَالَى - فِي ذمّ هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاء: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} (الشُّعَرَاء /225، 226) .. هَل الهيمان فِي كل وادٍ إِلَّا الجريان فِي القَوْل من غير مقصد ونظام؟ {)) (دَلَائِل النظام، عبد الحميد الفراهي، ط. الدائرة الحميدية ومكتبتها، الْهِنْد، 1388?، ص 20، 21) .
قلتُ: وَهَذَا كلامٌ خطير - فَوق أَنه غير صَحِيح} -، يشبه مَا قَامَ بِهِ الإِمَام الْجَلِيل الباقلاني فِي كِتَابه الْعَظِيم (إعجاز الْقُرْآن) من نسفٍ لمعلقة امْرِئ الْقَيْس ((قفا نبكِ..)) حَتَّى يثبت إعجاز الْقُرْآن، وَكَأن إعجاز الْقُرْآن لَا يثبت إِلَّا بهلهلة منقبة الْعَرَب الْعَقْلِيَّة الأولى {.. وَهُوَ الْأَمر الَّذِي نَقده نَقْدا صَارِمًا، ودلَّ على خطورته الْبَالِغَة شيخ الْعَرَبيَّة الراحل الْأُسْتَاذ الْجَلِيل مَحْمُود مُحَمَّد شَاكر - عَلَيْهِ رَحْمَة الله - فِي مقدمته النفيسة لكتاب الْأُسْتَاذ مَالك بن نبى (الظَّاهِرَة القرآنية) ..
وَلَوْلَا أَن يَتَّسِع بِنَا الْكَلَام حَتَّى يخرج عَن مجاله لشفيتُ القَوْل فِي هَذَا.. وَلَكِن أكتفي بِأَن أَقُول إِن الشّعْر هُوَ أَعلَى وأغلى مَا تعلق بِهِ الْعَرَب، وأنفس مَا أثر عَنْهُم وَأَنَّهُمْ كَانُوا يعظمونه لدرجة أَن عَلقُوا نفائسه على جدران الْكَعْبَة - وَهِي أقدس مَا كَانُوا يعظمون} -.. وَذَلِكَ أَمر متواتر عَنْهُم، لَا مجَال لإنكاره، وَطلب الدَّلِيل عَلَيْهِ يشبه طلب الدَّلِيل على النَّهَار {وَهل كَانَت تستقيم معْجزَة الْقُرْآن الباهرة على أُولَئِكَ الْعَرَب الأقحاح لَو كَانَ شعرهم ومبلغُ علمهمْ على مثل هَذِه الركاكة والمكانة المهينة؟} .. إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب حَقًا {
وَيُمكن أَن أضيف هُنَا أَن من الْمُقَرّر لَدَى عُلَمَاء الْأمة الْأَثْبَات أَنه لَا يستقلُّ أحد بفهم الْقُرْآن حَتَّى يسْتَقلّ بفهم هَذَا الشّعْر الجاهلي، وَإِلَى ذَلِك يُشِير قَول الشَّافِعِي - وَكَانَ، رَضِي الله عَنهُ، من أبْصر النَّاس بِهَذَا الْأَمر -: ((لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي فِي دين الله إِلَّا رجلٌ عَارِف بِكِتَاب الله.. بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنْزيله، ومكيه ومدنيه، وَمَا أُرِيد بِهِ. وَيكون بعد ذَلِك بَصيرًا بِحَدِيث رَسُول الله ((…) ، وَيعرف من الحَدِيث مثل مَا عرف عَن الْقُرْآن. وَيكون بَصيرًا بالشعر، وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ للسّنة وَالْقُرْآن)) .. فَلَيْسَ يَكْفِي أَن يكون عَارِفًا بالشعر، بل - وكما يَقُول الشَّيْخ مَحْمُود شَاكر - أَن يكون بَصيرًا بِهِ أشدَّ الْبَصَر} . انْظُر: فصلٌ فِي إعجاز الْقُرْآن، مُقَدّمَة مَحْمُود شَاكر لكتاب (الظَّاهِرَة القرآنية) لمَالِك بن نَبِي، دَار الْفِكر - دمشق، 1981 م - 1402?، ص 41.
اسم الکتاب : مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور المؤلف : أبو العلاء، عادل بن محمد    الجزء : 1  صفحة : 35
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست