اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : القطان، مناع بن خليل الجزء : 1 صفحة : 86
ومثال الصيغة الثانية ما رُوِيَ عن عبد الله بن الزبير "أن الزبير خاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شراج من الحرة، وكانا يسقيان به كلاهما النخل، فقال الأنصاري، سرِّح الماء يمر، فأبى عليه، فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "اسق يا زبير، ثم أَرْسِل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجُدر، ثم أَرْسِل الماء إلى جارك". واستوعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ رسول الله الأنصاري استرعى للزبير حقه في صريح الحكم، فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [1], قال ابن تيمية: "قولهم: نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب، وقد تنازع العلماء في قول الصحابي: "نزلت هذه الآية في كذا"، هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند؟ فالبخاري يُدخله في المسند، وغيره لا يدخله فيه، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سببًا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند"[2], وقال الزركشي في البرهان: "قد عُرِفَ من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: "نزلت هذه الآية في كذا" فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع"[3]. [1] أخرجه البخاري ومسلم وأهل السُّنن وغيرهم [والآية من سورة النساء: 65] . [2] المراد بالإسناد هنا أن يكون مسندًا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمعنى أن يكون مرفوعًا. وإن كان من قول الصحابي، لأنه لا مجال للاجتهاد فيه. [3] انظر الإتقان جـ1 ص31.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : القطان، مناع بن خليل الجزء : 1 صفحة : 86