اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : القطان، مناع بن خليل الجزء : 1 صفحة : 46
مكة عالماً متفرغًا لدراسة الكتب، بل عرفته حدَّادًا منهمكًا في مطرقته وسندانه، عامي الفؤاد، أعجمي اللسان لا تعدو قراءته أن تكون رطانة بالنسبة إلى العرب: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [1].
ولقد كان العرب أحرص الناس على دفع هذا القرآن إمعانًا في خصومة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولكنهم عجزوا ووجدوا السبل أمامهم مغلقة, وباءت كل محاولاتهم بالفشل, فما للملحدين اليوم -وقد مضى أربعة عشر قرنًا على ذلك- يبحثون في قمامات التاريخ ملتمسين سبيلًا من تلك السبل الفاشلة نفسها؟!
وبهذا يتبين أن القرآن الكريم لا يوجد له مصدر إنساني، لا في نفس صاحبه، ولا عند أحد من البشر، فهو تنزيل الحكيم الحميد.
ونشأة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيئة أمية جاهلية، وسيرته بين قومه، من أقوى الدلائل على أن الله قد أعده لحمل رسالته، وأوحى إليه بهذا القرآن هداية لأمته: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ, صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [2]. يقول الأستاذ محمد عبده في رسالة التوحيد: "من السنن المعروفة أن يتيمًا فقيرًا أميًّا مثله تنطبع نفسه بما تراه من أول نشأته إلى زمن كهولته، ويتأثر عقله بما يسمعه ممن يخالطه، لا سيما إن كان من ذوي قرابته، وأهل عُصبته، ولا كتاب يرشده، ولا أستاذ ينبهه، ولا عضد إذا عزم يؤيده، فلو جرى الأمر فيه على جاري السنن لنشأ على عقائدهم، وأخذ بمذاهبهم، إلى أن يبلغ مبلغ الرجال، ويكون للفكر والنظر مجال، فيرجع إلى مخالفتهم، إذا قام له الدليل على خلاف ضلالاتهم، كما فعل القليل ممن كانوا على عهده"[3]. [1] النحل: 103. [2] الشورى: 52، 53. [3] كأمية بن أبي الصلت، وزيد بن عمرو بن نفيل.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : القطان، مناع بن خليل الجزء : 1 صفحة : 46