اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 95
"حتى جعلوا للحرف المشدد علامة كالقوس، ولألف الوصل جرة فوقها أو تحتها أو وسطها، على حسب ما قبلها من فتحة أو كسرة أو ضمة"[1].
وما أكثر العقبات التي كانت تعترض اتجاه الناس نحو تحسين الرسم القرآني! فما برح العلماء حتى أواخر القرن الثالث يختلفون في نقط القرآن.
وقد بدأت فكرة كراهة النقط مبكرة جدًّا منذ قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود: "جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء"[2] ثم كان بين التابعين من كره حتى تطييب المصاحف بالطيب أو وضع أوراق الورد بين صحائفها[3]، وإذا الإمام مالك رضي الله عنه[4] في عصر أتباع التابعين يؤثر التفصيل في هذه المسألة، فيبيح النقط "في المصاحف التي تتعلم فيها العلماء، أما الأمهات فلا"[5]. وتظل الأوساط المحافظة -مع ذلك- تكره نقط المصاحف، فكان يظهر بين الحين والحين قوم معتدلون يفرقون بين النقط والتعشير، وينبهون الناس إلى أن النقط لا ينافي تجريد القرآن. قال الحليمي[6]: "تكره كتابة الأعشار والأخماس وأسماء السور وعدد الآيات فيه، لقوله: "جردوا القرآن". وأما النقط فيجوز، لأنه ليس له صورة فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها"[7].
على أن هذه التفرقة الواضحة بين النقط والتعشير[8] لم تكن لتمنع الأوساط [1] الزرقاني، مناهل العرفان 1/ 401. [2] أخرجه أبو عبيد "انظر الإتقان 2/ 290", وقارن بالمحكم 10. [3] كما رووا عن مجاهد: "انظر المحكم 15". [4] هو إمام أهل المدينة، وأمير المؤمنين في الحديث، مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ويكنى أبا عبد الله. استغرق تأليفه "الموطأ" أربعين سنة عرضه خلالها على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة. توفي سنة 179هـ. [5] أبو عمرو الداني، النقط، 134؛ الإتقان 2/ 291. [6] هو أبو عبد الله حسين بن الحسن الحليمي الجرجاني. أجل كتبه "المنهاج" توفي سنة 403. [7] الإتقان 2/ 291. [8] التعشير: هو وضع علامة بعد كل عشر آيات.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 95