اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 46
لخديجة وهو شاب وكان بصحبته ميسرة غلام خديجة، ولم يتجاوز عليه الصلاة والسلام سوى مدينة بصرى في كلتا الرحلتين القصيرتين، فأين يذهب العقلاء بعقولهم؟ وأنى يؤفكون؟
بعد أن وضح النهار لذي عينين، لم يكن بد من أن يسفه القرآن تلك الأحلام الطائشة جميعا، ويقول بلهجة قاطعة حاسمة،: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [1].
أما أخيلة الشاعر أو سبحات الأديب فقد نسبها بعض العرب إلى الرسول الأمين حين راع القرآن الأمين خيالهم بصوره الحية، ومشاهده الشاخصة، وألفاظه الموحية وفواصله الشافية، وألحانه العذاب، فقالوا: شاعر نتربص به ريب المنون، ولا شك أن الفصحاء فيهم عرفوا أن ليس في القرآن شيء من الشعر، وأن أسلوبه يعلو ولا يعلى، وما هو بقول بشر حتى قال قائلهم: "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمغدق، وإن أسفله لمثمر، وما هو بقول بشر". إلا أن القرآن ظل يتحداهم بمعارضته، ويطاولهم في المعارضة، حتى اضطرهم إلى الهزيمة أمام تحديه، فلم يجدوا ما يشفون به غليلهم إلا أن يقولوا: شعر أو سحر مبين.
تحداهم أول الأمر أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وهو جميعه كلام الله، ومن أصدق من الله قيلًا؟ فقال لهم في سورة الطور: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} .ثم تنازل لهم عن التحدي بجميع القرآن الصادق الذي لا يخالف الواقع في شيء إلى التحدي بعشر سور مثله، ولو كانت مفتريات لا أصل لها ولا سند، فقال في سورة هود: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ [1] يونس 37.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 46