اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 43
وعدهم عام الحديبية من دخول المسجد الحرام، وتبديلهم بعد خوفهم أمنا، وتحليق رءوسهم وتقصيرها قضاء للشعيرة، كما قال الله: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ} 1؟
ولعل من أعجب العجب أن يضمن الله لنبيه حماية شخصه وعصمته من أذى الناس, مع أن الراغبين في قتله كانوا يحيطون به من أمامه وخلفه، وعن يمينه وشماله، ولكنها إرادة السماء جعلت الرسول على يقين بأن الله حاميه.
لقد نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [2]، فأخرج عليه الصلاة والسلام رأسه من الخيمة وقال لنفر من أصحابه يحرسونه على بابها: "يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله"! [3].
ها هو ذا عليه الصلاة والسلام يوم أحد أقرب ما يكون من العدو بينما كان الموت أقرب إليه من شراك نعله، حتى قال علي كرم الله وجهه: كنا إذا حمي الوطيس احتمينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه".
وها هو ذا في غزوة حنين يركض بغلته إلى جهة العدو، فلما أقبل المشركون وغشوه لم يفر بل نزل عن بغلته كأنما يعرض نفسه لنبالهم وهو يقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" [4].
وها هو ذا في ذات الرقاع ينزل تحت شجرة ويعلق سيفه فيها، فيجيئه رجل من المشركين فيأخذ السيف فيخترطه ويقول للنبي: أتخافني؟ فيقول: "لا". فيقول الرجل: وما يمنعك مني؟ فيجيب: "الله يمنعني منك. ضع السيف" فلا يملك الرجل إلا أن يضع سيفه[5], وتزيد بعض الروايات: أن
1 الفتح 22. [2] سورة المائدة 67. [3] البرهان 1/ 198. [4] رواه الشيخان. وقارن بتفسير الطبري 10/ 73. [5] صحيح مسلم عن جابر 15/ 44.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 43