اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 335
أرأيت لونا أزهى من نضرة الوجوه السعيدة الناظرة إلى الله، ولونا أشد تجهما من سواد الوجوه الشقية الكالحة الباسرة في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَة} [1]؟ لقد استقلت في لوحة السعداء لفظة "ناضرة" بتصوير أزهى لون وأبهاه، كما استقلت في لوحة الأشقياء لفظة "باسرة" برسم أمقت لون وأنكاه.
وحين تتسمع همس السين المكررة تكاد تستشف نعومة ظلها مثلما تستريح إلى خفة وقعها في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ، وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [2]. بينما تقع الرهبة في صدرك وأنت تسمع لاهثا مكروبا صوت الدال المنذرة المتوعدة مسبوقة بالياء المشبعة المديدة في لفظة "تحيد" بدلا من "تنحرف" أو "تبتعد" في قوله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [3].
وتقرأ قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [4]، فلا ترى في المعجم غير كلمة "زحزح" تصور مشهد الإبعاد والتنحية بكل ما يقع في هذا المشهد من أصوات، وما يصاحبه من ذعر الذي يمر بحسيس النار ويسمعه ويكاد يصلاه!.
وليأخذنك من الغيظ مثل ما يأخذ جنهم حين تتسمع لفظ "تميز" من قوله: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [5]، وليستولين عليك القلق وأنت تكرر هاء السكت في أكثر فواصل سور الحاقة, فتنسى وأنت تتلو قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [6] أن الذي هلك سطانه من أوتي [1] سورة القيامة 22-25. [2] سورة التكوير 15-18. [3] سورة ق 19. [4] سورة آل عمران 185، وقارن بالكشاف 1/ 235. [5] سورة الملك 8. [6] سورة الحاقة 29.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 335