اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 327
المجاز والكناية:
لقد استدعى بحثنا عن التشبيه والاستعارة أن نجري شيئا من التعديل في تصورنا طريقة القرآن في التعبير، كما كان يفهمها علماؤنا السالفون رضي الله عنهم وأرضاهم، ونفعنا بعلومهم، وكان هذا التعديل الطفيف ضروريا بالنسبة إلى التشبيه والاستعارة لقيام أكثر الصور المفصلة على أحدهما، وتركبها منهما. فغير هذين البابين قلما يحوجنا إلى تعديل في تصوره أو فهمه، فنستطيع أن ندرسه على ما نجده في ثنايا الكتب القديمة, لأنه يدخل في التصوير
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [1]: "شبه استظهار العبد بالله ووثوقه بحمايته، والنجاة من المكاره، باستمساك الواقع في مهواة بحبل وثيق مدلى من مكان مرتفع يأمن انقطاعه". ومن ذلك قوله في {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [2]: "أصل الموج حركة الماء، فاستعمل في حركتهم على سبيل الاستعار، والجامع سرعة الاضطراب وتتابعه في الكثرة"[3].
والخلاصةن أننا لا نريد أن نستبدل التجسيم والتشخيص والتخييل بعبارات البلاغيين القدامى "التشبيه والاستعارة وما شابه ذلك" لأن هذه التسميات المختلفة شكليات لا تمس جوهر الموضوع في شيء، وإنما نريد ألا نغفل عن الحياة والحركة والتناسق الفني في المشاهد القرآنية, فإنها أوضح من أن تكتم، وأقوى من أن تهمل، وبعد ذلك فلنعبر عن الصورة المحسة أو المتخيلة بالتعبير الذي نؤثره، فإما يكون من الاصطلاحات القديمة التي تبث فيها الحياة وتنفخ فيها الروح، وإما أن يكون بألفاظنا الحديثة السهلة التي تنفر من التعقيد وتأبى كلفة التقعيد، وتصور الحياة بريشة الحياة نفسها وبأصباغها الزاهية وألوانها البديعة. [1] سورة آل عمران 103 وانظر الإتقان 2/ 76. [2] سورة الكهف 100. [3] الإتقان 2/ 74 وقارن بمجازات القرآن 217.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 327